مفاوضات الرسوم الجمركية.. من يطرق أبواب واشنطن؟
07:55 - 17 أبريل 2025
هزّت الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع الشهر الجاري –قبل تأجيلها لمدة 90 يوماً- الأسواق العالمية، وفرضت حالة من عدم اليقين تخيم على مختلف الأصعدة، في الوقت الذي يبزغ فيه بصيص الأمل حيال النتائج المُنتظرة لمفاوضات تجارية تبدأها عديد من الدول حول العالم مع واشنطن لحسم ملف "الرسوم" والتوصل لصيغة توافقية تحقق مصالح جميع الأطراف.
تبدي الإدارة الأميركية في هذا السياق اهتماماً بدول بعينها، لا سيما تلك التي لم تسارع بالرد على الرسوم الجمركية بالمثل، أو التي أبدت مرونة في التوصل لاتفاقات تجارية جديدة مع واشنطن ولم تتحد القرار الأميركي.
فيما لا يزال من المبكر معرفة المدة الزمنية المحتملة لحسم تلك الاتفاقات، والسيناريوهات المحتملة حال طالت إلى ما بعد انتهاء مهلة الـ 90 يوماً التي حددها الرئيس الأميركي.
مفاوضات
- قال مسؤولون في إدارة ترامب في وقت سابق إن أكثر من 75 دولة تواصلت مع البيت الأبيض للتفاوض على صفقات تجارية.
- كما قال المستشار الاقتصادي كيفن هاسيت إن هناك الآن "عروضا على الطاولة" مع 15 دولة - على الرغم من أنه رفض تحديدها - والمفاوضات "تتحرك بسرعة".
وبحسب شبكة "إن بي سي نيوز"، فإن الإدارة الأميركية تخطط لإعطاء الأولوية للصفقات التجارية مع اليابان ودول أخرى محيطة بالصين.كما أشارت إلى المفاوضات مع كوريا الجنوبية وفيتنام باعتبارها "أولويات رئيسية".
وكانت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت، قد ذكرت قبل تعليق التعريفات الجمركية أن الرئيس ترامب وجه فريقه التجاري "لعقد صفقات تجارية مصممة خصيصًا مع كل دولة" تتواصل مع الولايات المتحدة للتفاوض.
ويرصد تقرير لـ "فوربس" أبرز الدول التي عرضت التفاوض مع ترامب بشأن الرسوم الجمركية، على النحو التالي:
- اليابان: طلب ترامب من إدارته بدء مفاوضات مع الحكومة اليابانية حتى قبل انتهاء مهلة التسعين يوماً.
- كوريا الجنوبية: ألمح ترامب، يوم الثلاثاء، إلى "أقصى درجات احتمال التوصل إلى اتفاق عظيم لكلا البلدين" بعد "مكالمة رائعة" مع القائم بأعمال الرئيس الكوري.
- الاتحاد الأوروبي: أوقف الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية انتقامية بعد إعلان ترامب تمديد تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، لكنه أعلن يوم الاثنين عن سلع إضافية قد تُفرض عليها ضرائب في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الخميس: "نريد إعطاء المفاوضات فرصة".
- المملكة المتحدة: بدأ المسؤولون البريطانيون مفاوضاتهم مع إدارة ترامب، وعرضوا تنازلات مقابل تخفيض ترامب للرسوم الجمركية بنسبة 10 بالمئة على المملكة المتحدة.
- فيتنام: أعلنت حكومة فيتنام يوم الخميس الماضي أن الولايات المتحدة وفيتنام اتفقتا على بدء مفاوضات تجارية.
- تايوان: أعلنت الحكومة التايوانية يوم الاثنين أنها تتفاوض حالياً مع إدارة ترامب، وأن المحادثات تسير بسلاسة.
- الهند: صرح وزير التجارة سونيل بارثوال بأن الهند حققت بالفعل "تقدماً جيداً للغاية" في مناقشاتها التجارية مع الولايات المتحدة وتتبع "مسار تحرير التجارة".
- وتضم قائمة الدول أيضاً كلاً من (الأرجنتين وإسرائيل وبنغلاديش وكمبوديا وإندونيسيا وليسوتو وأستراليا ونيوزيلندا).
أولويات ترامب
بدوره، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:
- عند النظر في أولويات الدول الساعية لإبرام اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة، يتضح أنها غالباً ما تنسجم مع رؤية الرئيس ترامب، إذ تميل واشنطن إلى إعطاء الأولوية في التفاوض للدول التي تمتلك فائضاً تجارياً كبيراً في علاقاتها معها.
- مع اشتداد الحرب التجارية مع الصين وزيادة الرسوم الجمركية التي بلغت 145 بالمئة، شهدنا تصعيداً متزايداً، خاصة بعد وقف استيراد طائرات بوينغ، ما يعكس تعقيداً متزايداً في العلاقة الاقتصادية بين الطرفين.
ويضيف: الرئيس ترامب يُولي اهتماماً خاصاً بالتوصل إلى اتفاقات مع شركاء استراتيجيين، في مقدمتهم الاتحاد الأوروبي. وقد لاحظنا تحركات ملموسة، كزيارة مرتقبة لرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى واشنطن، في محاولة لتقريب وجهات النظر وإيجاد تسويات بشأن الرسوم الجمركية. كما أن لرجل الأعمال إيلون ماسك دوراً ناشطاً في الدفع نحو شراكة تجارية قوية مع أوروبا.
ويشير يرق من جهة أخرى إلى أن الهند من أبرز الدول ذات الأولوية أيضاً، خاصة في ظل الرسوم التي يخطط ترامب لفرضها عليها، مشدداً على أن الهند باتت سوقاً بديلاً مهماً للصناعات الأميركية التي تسعى للابتعاد عن الصين، وقد أبدى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي انفتاحاً للتعاون مع الإدارة الأميركية، شريطة تحسين شروط الاتفاقات وتقديم بعض التنازلات المتبادلة.
أما اليابان، فهي شريك رئيسي آخر، لا سيما أنها لم تفرض رسوماً جمركية مضادة على المنتجات الأميركية، وقد عبرت الحكومة اليابانية عن استعدادها للحوار، وأرسلت وفداً رسمياً للتباحث بشأن هذه القضايا.
ويضيف يرق: "دول جنوب شرق آسيا تُعدّ بديلاً محتملاً لتغطية النقص الناتج عن تقليص الاعتماد على الواردات الصينية، ما يجعلها أيضاً ضمن دائرة اهتمام الإدارة الأميركية"، مردفاً: "نحن أمام أيام وأسابيع مليئة بالتحديات، وفي انتظار اتضاح الرؤية الاقتصادية الكاملة للرئيس ترامب."
كم من الوقت سوف تستغرق المفاوضات؟
لم يحدد المسؤولون الأميركيون المدة التي قد تستغرقها المفاوضات، أو ما إذا كان من الممكن تمديدها بعد فترة التوقف التي تبلغ 90 يوماً إذا لم تنتهِ المحادثات بحلول ذلك الوقت.
ووفق "فوكس نيوز" فقد تكهن رئيس جي بي مورغان تشيس، جيمي ديمون، بأن الصفقات التجارية لن تُنجز بسرعة، مشيراً إلى أن "الصفقات التجارية كبيرة ومعقدة للغاية" و"لا يمكن إتمامها بين عشية وضحاها".
خارطة العلاقات التجارية
من جانبه، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى من خلال ملف الرسوم الجمركية إلى تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية، عبر إعادة رسم خارطة العلاقات الاقتصادية الأميركية مع الدول المنافسة وحتى الحليفة.
- الصين تأتي في مقدمة الدول التي يسعى ترامب للتفاوض معها بهذا الشأن؛ ذلك أن ثمة فائضاً تجارياً كبيراً لبكين يؤثر سلباً على الميزان التجاري الأميركي.
- هذا الفائض يُظهر مدى اعتماد المستهلك الأميركي على البضائع الصينية.
- ترامب لا يسعى إلى خسارة الصين كشريك اقتصادي، بل يريد التوصل إلى اتفاق يعتبره "أكثر عدالة" للولايات المتحدة.
وينوّه الخفاجي بأن الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين "لا تقتصر على الجانب التجاري المباشر، بل قد تمتد لتشمل مناطق النفوذ والاستثمار الأميركي حول العالم، وهو سيناريو لا يرغب ترامب في حدوثه، ما يجعل من الصين أولوية قصوى في هذا الملف".
ووفق تقرير "فوربس"، فلا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن إدارة ترامب والصين قد بدأتا مفاوضات لتخفيف حربهما التجارية، حيث ردت الصين على تعريفات ترامب البالغة 145 بالمئة على البلاد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 125 بالمئة على واردات السلع الأميركية.
وذكرت بلومبرغ في وقت سابق أن المسؤولين الصينيين يريدون من إدارة ترامب اتخاذ "عدد من الخطوات" قبل أن يكونوا على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات. يتضمن ذلك "كبح" تعليقات نائب الرئيس جيه دي فانس.
وفيما يخص أوروبا، يشير الخفاجي بشكل خاص إلى تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات غير المصنوعة في الولايات المتحدة، ضمن جوانب التأثيرات التي تواجهها دول أوروبا، لا سيما ألمانيا، فيما يسعى ترامب إلى زيادة صادرات السيارات الأميركية إلى أوروبا، ما يجعل التفاوض مع ألمانيا خصوصاً وأوروباً عموماً أولوية له أيضاً.
ولم يستثنِ ترامب حتى الشركاء التجاريين القريبين مثل كندا والمكسيك، حيث أشار إلى إمكانية إعادة النظر في اتفاق "USMCA"، على الرغم من ارتفاع حجم التبادل التجاري مع هذين البلدين.
ويختتم الخفاجي حديثه بالإشارة إلى أن دولاً مثل الهند وفيتنام تتابع هذه التحركات بقلق.. هذه الدول تخشى من تداعيات أي تصعيد قد يضر بمكاسبها الاقتصادية التي حققتها في السنوات الأخيرة، وهو ما يدفعها إلى إظهار اهتمام أكبر بالتوصل إلى حلول، رغم أن ترامب يضعها أيضاً ضمن أولوياته في أي تفاهمات أو اتفاقات مستقبلية.