ترامب يتراجع والأسواق تتنفس.. رسوم ترامب أمام مراجعة جذرية
08:17 - 24 أبريل 2025
في خضم التوترات التجارية التي تطبع العلاقة بين واشنطن وبكين، تبرز مؤشرات جديدة توحي بانفراجة محتملة في أفق الحرب الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم، مع دراسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفض الرسوم المفروضة على الواردات الصينية، في خطوة تهدف إلى تهدئة الأجواء المشحونة وتخفيف الضغوط على سلاسل الإمداد والأسواق المالية العالمية.
ورغم أن القرار لم يُحسم بعد داخل البيت الأبيض، إلا أن نبرة التصريحات الرسمية ومواقف الأطراف المعنية، سواء من الجانب الأميركي أو الصيني، تعكس بشكل أو بآخر رغبة في كسر الجمود والانتقال نحو حوار بناء. وبينما يُراقب المستثمرون هذه التطورات بحذر وترقب، يترقب العالم نتائج محتملة قد تعيد رسم خريطة التوازنات الاقتصادية العالمية، وسط تحولات جيوسياسية وتجارية متسارعة.
وكشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الأربعاء، عن أن إدارة الرئيس ترامب تدرس خفض الرسوم الجمركية الباهظة على الواردات الصينية - في بعض الحالات بأكثر من النصف - في محاولة لتهدئة التوترات مع بكين التي أزعجت التجارة والاستثمار العالميين.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين مطلعين، قولهما إن الرئيس ترامب لم يتخذ قراراً نهائياً بعد، مضيفين أن المناقشات لا تزال غير واضحة وهناك عدة خيارات على الطاولة.
- وصرح مسؤول كبير في البيت الأبيض بأن الرسوم الجمركية على الصين من المرجح أن تنخفض إلى ما بين 50 و65 بالمئة تقريباً.
- كما تدرس الإدارة الأميركية اتباع نهج متدرج مماثل للنهج الذي اقترحته لجنة مجلس النواب المعنية بالصين أواخر العام الماضي (فرض رسوم بنسبة 35 بالمئة على السلع التي لا تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً للأمن القومي، ورسوم بنسبة 100 بالمئة على الأقل على السلع التي تُعتبر استراتيجية لمصالح الولايات المتحدة)، وفقاً لبعض المصادر. واقترح مشروع القانون تطبيق هذه الرسوم تدريجيًا على مدى خمس سنوات.
وأعلن ترامب الثلاثاء استعداده لخفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية ، مؤكداً أن الرسوم الجمركية البالغة 145 بالمئة التي فرضها على الصين ستنخفض. وأضاف: "لكنها لن تُلغى تماماً".
وقد لاقى هذا التطور ترحيباً واسعاً من المستثمرين الذين كانوا قلقين من التحركات العدوانية للبيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة.
وأشارت الصين الأربعاء إلى انفتاحها على محادثات تجارية مع الولايات المتحدة، رغم تحذير بكين من أنها لن تتفاوض في ظل التهديدات المستمرة من البيت الأبيض.
ووفق "وول ستريت جورنال" فإنه في دوائر صنع القرار الصينية، اعتُبرت تصريحات ترامب يوم الثلاثاء بمثابة إشارة إلى تراجعه، وفقًا لمصادر مطلعة على الوضع مع المسؤولين الصينيين.
تمثل تعبيرات الانفتاح على التوصل إلى اتفاق من الجانبين تحولا عن معظم الشهر الماضي، حيث تبادل أكبر اقتصادين في العالم زيادات متبادلة في التعرفات الجمركية والكلمات المتوترة، مما ساعد في دفع أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم إلى أسوأ أسابيعها منذ سنوات عديدة.
كانت الإدارة الأميركية قد خططت لاستغلال مفاوضات التعرفات الجمركية الجارية للضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين للحد من تعاملاتهم مع الصين، وفقًا لما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال سابقًا. ومع ذلك، صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت بوجود مجال لإجراء محادثات بشأن اتفاق تجاري محتمل بين الولايات المتحدة والصين. ويتعين أن تشمل هذه المحادثات ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، على الرغم من أنهما لم يتحدثا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
تهدئة محتملة
تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- بعد أن قال ترامب إن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين كانت مفرطة، وإن لديه نية لخفضها، أصبحت حرب التعريفيات بين البلدين تتوجه إلى التخفيف.
- هذه التهدئة المحتملة لا تقتصر تداعياتها على العلاقات الثنائية بين أكبر اقتصادين في العالم، بل تمتد آثارها إلى الأسواق العالمية على عدة مستويات.
وتضيف: "إذا قررت الولايات المتحدة خفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية، فإن ذلك سيقلل من تكاليف التجارة العابرة للحدود بشكل مباشر، ما يسهم في تخفيف الاضطرابات التي طالت سلاسل التوريد العالمية بسبب الرسوم المرتفعة.. على سبيل المثال، ستنخفض تكلفة المنتجات الإلكترونية والميكانيكية الصينية الموجهة للسوق الأمريكية، مما يخفف الضغط عن شركات أميركية كبرى مثل تسلا وآبل، التي تعتمد بشكل كبير على سلاسل التوريد الصينية".
بالإضافة إلى ذلك، فإن تهدئة المواجهة التجارية بين الصين والولايات المتحدة قد تسهم في زيادة ثقة المستثمرين في الأسواق الدولية، حيث تُعد الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم، وبالتالي فإن أي تقارب تجاري بينهما يبعث برسائل إيجابية لبقية دول العالم.
وتستطرد: الأنباء الإيجابية حول خفض الرسوم الجمركية كانت كافية لتحريك المؤشرات المالية. ومع استمرار مؤشرات التهدئة، من المتوقع أن تزداد ثقة المستثمرين، مما يقلل من حالة عدم اليقين والتقلبات التي كانت تخيم على الأسواق، وبما يدفع نحو بيئة مالية أكثر استقراراً، تعزز النمو والاستثمار على الصعيد العالمي.
وتشير الكاتبة الصحافية الصينية إلى أن خفض الرسوم سيمنح الشركات في مختلف الدول فرصاً أكبر للوصول إلى أسواق عالمية، ما يتيح توزيعاً أكثر عدالة وكفاءة للموارد. كما سيدفع الدول إلى إعادة تقييم هياكلها الإنتاجية وفقاً لمبدأ "الميزة النسبية"، ما يؤدي إلى خلق منظومة تجارية أكثر توازناً وكفاءة على مستوى العالم.
ومن حيث الأسواق العالمية، فإن احتمال تهدئة المواجهة التجارية بين الصين والولايات المتحدة يسهم في دعم النظام التجاري المتعدد الأطراف.
ووفق الكاتب الصينية، تُعد هذه التهدئة بمثابة رسالة واضحة بأن الحوار والتفاوض يمكن أن يكونا وسيلة ناجحة لحل النزاعات التجارية، مما يعزز الثقة للدول الأخرى في الدور والوظائف لمنظمة التجارة العالمية ويعطي دفعة جديدة لجهود إصلاح النظام التجاري الدولي.
وتضيف:
- حال تحسن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، سيكون لذلك أثر محفز على العلاقات الاقتصادية بين الدول الأخرى، ما يخلق بيئة إيجابية للتعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي، وأمن الغذاء والطاقة، وأزمات سلاسل الإمداد.
- إن تهدئة الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ليست مجرد مسألة ثنائية، بل هي نقطة تحوّل قد تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي نحو مزيد من التعاون والتوازن. في عالم مترابط، فإن تخفيف التوتر بين العملاقين الاقتصاديين ينعكس مباشرة على استقرار الأسواق، ويعطي دفعة لروح الشراكة متعددة الأطراف في مواجهة التحديات الدولية.
اتفاق جديد
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت للصحافيين، الثلاثاء، "نحن نسير على نحو جيد للغاية فيما يتعلق باتفاقية تجارية محتملة مع الصين".
وأضافت:"يُمهّد الرئيس والإدارة الطريق لاتفاق مع الصين. جميع المعنيين يرغبون في رؤية اتفاق تجاري يُبرم، والأمور تسير في الاتجاه الصحيح".
وجاء تصريح ليفيت في أعقاب تقارير من بلومبرغ وسي إن بي سي تفيد بأن وزير الخزانة سكوت بيسنت أبلغ مجموعة خاصة أنه يتوقع أن تهدأ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قريباً.
وصرّح مستشار ترامب، بيتر نافارو، لشبكة إن بي سي نيوز في مقابلة تلفزيونية في 13 أبريل الجاري، بأن سياسات التعرفات الجمركية التي تنتهجها الإدارة قد تُفضي إلى 90 اتفاقية تجارية جديدة خلال فترة التوقف التي أعلنها ترامب لمدة ثلاثة أشهر بشأن أشد هذه التعرفات، بعد أن أثار طرحها قلق تجار السندات. وقد صرّح ترامب نفسه بأن 75 دولة تواصلت معه على أمل إبرام اتفاقية تجارية قبل موعد إعادة فرض التعرفات.
ويصف تقرير لصحيفة "الاندبندنت" نبرة الرئيس ترامب التصالحية الجديدة بشأن مسألة سياسته التجارية بأنه يأتي في الوقت الذي يواصل فيه البيت الأبيض الإصرار على أن إعلانه عن التعرفات الجمركية في "يوم التحرير" كان ناجحاً تماماً على الرغم من الانخفاضات القياسية في الأسواق المالية والمخاوف من الركود العالمي التي نتجت عن الحرب التجارية الوشيكة التي بدأها.
انتعاش
وإلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الأسواق العالمية شهدت أخيراً موجة انتعاش تشمل الأسواق الأميركية والآسيوية والأوروبية وحتى العربية، وذلك في أعقاب تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديداته بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بالإضافة إلى إبداء استعداد لإعادة النظر في خفض الرسوم على الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويضيف: "أعتقد بأننا سنشهد استعادة تدريجية لثقة المستثمرين، وتخفيفاً ملحوظاً للضغوط على الأصول الأميركية، خاصة تلك التي تعرضت لانتكاسات كبيرة خلال الفترة الماضية".
ويشير إلى أن موجة التفاؤل تتعزز أيضاً بتصريحات وزير الخزانة الأميركي حول إمكانية التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع شركاء اقتصاديين رئيسيين، ما أسهم في تحسين شهية المستثمرين للمخاطرة، وقلل من الإقبال على الأصول الآمنة.
ويتابع: "هذا التطور يعيد التوازن للأسس الاقتصادية والتجارية الدولية، بعد فترة من الاستئثار الأميركي بالقرارات الاقتصادية، بما يخالف قواعد التجارة العالمية". لكنه يتوقع في الوقت نفسه حدوث تقلبات في أسعار العملات نتيجة المفاوضات المقبلة بين واشنطن وبكين، وكذلك على المدى المتوسط مع شركاء اقتصاديين رئيسيين للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية.
وفي ما يتعلق بأسواق السلع، يوضح القاسم أن أسعار الذهب قد تتوقف عن الارتفاع مؤقتاً بسبب استقرار الدولار، كما لم يستبعد حدوث انخفاض في أسعار النفط والغاز، مع إمكانية انطلاق موجة جديدة من خفض أسعار الفائدة في معظم الأسواق العالمية الكبرى.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إنه يتوقع "انخفاضا في حدة التصعيد" في الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترامب مع الصين ”في المستقبل القريب جدا"، بحسب ما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
وقال بيسنت إن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين بشأن الرسوم الجمركية غير مستدام، وذلك في تصريحات له على هامش قمة للمستثمرين من القطاع الخاص في واشنطن نظمتها جي بي مورغان تشيس على هامش اجتماعات البنك الدولي هذا الأسبوع.
تهدئة وشيكة
استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن التهدئة الوشيكة في حرب الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة تُعد تطوراً إيجابيًا للأسواق العالمية، ولها عدة دلالات وتأثيرات مهمة:
- تحسن في ثقة المستثمرين: الحرب التجارية تتسبب في توتر عالمي.. وأي تهدئة تعني تقليل المخاطر الجيوسياسية، مما يعزز شهية المخاطرة لدى المستثمرين ويدفع بأسواق الأسهم إلى الصعود.
- دعم للتجارة العالمية والنمو الاقتصادي: إزالة أو تخفيف الرسوم الجمركية يعني تسهيل تدفق السلع بين أكبر اقتصادين في العالم، ما يعزز حركة التجارة العالمية ويُنعش سلاسل الإمداد.
- انخفاض في تكاليف الإنتاج والأسعار: الشركات، خاصة في قطاعات مثل الإلكترونيات والصناعات التحويلية، ستستفيد من استقرار تكاليف الاستيراد، مما قد ينعكس إيجاباً على الأسعار للمستهلكين ويساهم في تقليل التضخم.
- تعزيز أداء أسواق السلع والعملات.
ويتحدث في الوقت نفسه عن فرص للدول النامية، مشيراً إلى أن تهدئة النزاع تفتح المجال أمام دول أخرى، منها دول في أفريقيا وآسيا، لتوسيع صادراتها والاستفادة من استقرار التجارة العالمية.