ما هي نقاط ضعف الصين في الحرب التجارية مع ترامب؟
07:04 - 30 مايو 2025
تشكل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ساحة تنافس اقتصادي وتكنولوجي معقدة تؤثر على التوازنات العالمية بشكل كبير، في صراع يكشف عن نقاط قوة وضعف لكلا الطرفين، حيث يسعى كل منهما إلى تعزيز موقعه الاقتصادي وتقليل اعتماداته على الآخر في مختلف القطاعات.
تتمتع الصين بسوق محلية ضخم وبنية صناعية متكاملة تمكنها من الصمود أمام الضغوط الخارجية، إلى جانب مرونة في التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية. هذه الميزات تمنحها قدرة كبيرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي تصاحب الحرب التجارية.
ومع ذلك، تبرز أمام الصين تحديات هيكلية تشمل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية وارتباط جزء كبير من اقتصادها بالتصدير للأسواق الخارجية، وهذه التحديات تتطلب استمرار جهود تطوير وتحول اقتصادي يهدف إلى تعزيز القدرات المحلية والابتكار لتأمين مستقبل أكثر استقرارًا في ظل بيئة تنافسية متزايدة.
فقدان الوظائف
في هذا السياق، حدد تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" نقطة ضعف الصين الرئيسية في الحرب التجارية، ممثلة في "خطر فقدان الوظائف"، مستشهداً بما ذكره الرئيس ترامب في ولايته الأولى عندما زعم أن رسومه الجمركية أدت إلى فقدان خمسة ملايين وظيفة في بكين. وفي تغريدة في العام 2019 قال إن سياساته التجارية "أعادت الصين إلى الوراء".
بينما أبدى خبراء الاقتصاد اختلافا حادا حول حجم الألم الذي أحدثته الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، لكن الرسالة أكدت على مركزية الوظائف في الاقتصاد الصيني المعتمد على التصدير، وفق التقرير.
- بعد أربعة أشهر من ولاية ترامب الثانية، عادت الولايات المتحدة والصين للتفاوض بشأن الرسوم الجمركية، وسوق العمل الصينية، وخاصةً وظائف المصانع، في صدارة المشهد.
- هذا الشهر، اتفق المسؤولون الصينيون والأميركيون على خفض الرسوم الجمركية العقابية التي فرضوها على بعضهم البعض مؤقتًا بينما حاولوا تجنب العودة إلى حرب تجارية شاملة من شأنها أن تهدد بتقويض اقتصاد كلا البلدين.
وذكر تقرير بحثي لكبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك الاستثمار ناتيكسيس، أليسيا جارسيا هيريرو، أنه:
- في حال بقاء الرسوم الجمركية الأميركية عند مستويات 30 بالمئة على الأقل، ستنخفض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بمقدار النصف، مما سيؤدي إلى فقدان ما يصل إلى ستة ملايين وظيفة في قطاع التصنيع.
- إذا استؤنفت الحرب التجارية بكامل قوتها، فقد يرتفع عدد الوظائف المفقودة إلى تسعة ملايين وظيفة.
وقد واجه الاقتصاد الصيني صعوبة في التعافي من الجائحة، إذ شهد نموًا أبطأ مما كان عليه في سنوات ولاية ترامب الأولى، حين تجاوز معدل النمو السنوي 6 بالمئة. ورغم أن الحكومة الصينية أعلنت أنها تستهدف نموًا يقارب 5 بالمئة هذا العام، إلا أن العديد من الاقتصاديين توقعوا ألا يصل النمو الفعلي إلى هذه المستويات.
إشكاليات رئيسية
قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية تكشف عن مجموعة من نقاط الضعف التي تؤثر بشكل مباشر على مسار العلاقات التجارية بين البلدين.
وأضاف الحسيناوي أن من أبرز هذه النقاط، الاعتماد الكبير للصين على التكنولوجيا الأميركية، التي تسيطر عليها شركات أميركية كبرى، مشيراً إلى أن هذا الاعتماد يمنح الولايات المتحدة القدرة على قطع وصول هذه التكنولوجيا إلى الصين بسهولة، وهو ما يمثل ورقة ضغط قوية في النزاع الاقتصادي.
وأشار إلى أن فرض رسوم جمركية مرتفعة على البضائع الصينية يمثل أحد أدوات الضغط الأخرى، موضحاً أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة، أبرزها إغلاق العديد من المصانع وتسريح أعداد كبيرة من العاملين في الصين.
ولفت الحسيناوي إلى أن غياب الشفافية والوضوح في تعاملات الشركات الصينية يزيد من حالة عدم الثقة، ما يستدعي توخي الحذر والحيطة عند الدخول في شراكات أو اتفاقيات تجارية معها.
كما أكد أن مخرجات العلاقات السياسية بين البلدين تلعب دوراً محورياً في تحديد شكل التعاون التجاري، موضحاً أن تبني الصين والولايات المتحدة لمواقف سياسية متباينة – بين الليبرالية والاشتراكية – ينعكس بشكل مباشر على حجم التبادل التجاري ومدى استقراره.
تفوق ملحوظ
على الجانب الآخر، قالت الكاتبة الصحافية الصينية ياي شين هوا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- الصين أظهرت تفوقًا استراتيجيًا ملحوظًا في الصراع التجاري الممتد مع الولايات المتحدة منذ 2018، مستفيدة من قوة سوقها الداخلية التي تضم 1.4 مليار نسمة، ومرونتها الاقتصادية العالية التي ساعدت في امتصاص الصدمات الخارجية.
- الصين رسخت موقعها كأكبر قوة صناعية عالميًا، بحصة نحو 30 بالمئة من التصنيع العالمي (..) كما أن المنتجات الصينية، خاصة الهواتف المحمولة والألعاب والأثاث، تشكل جزءًا رئيسيًا من الحياة اليومية للمستهلك الأميركي، ما يمنح الصين قدرة تفاوضية قوية، خاصة عند فرض الرسوم الجمركية الأميركية.
- بكين نجحت في تقليل اعتمادها على السوق الأميركية عبر استراتيجية "الصين +1"، حيث حولت جزءًا من إنتاجها إلى دول جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى انخفاض حصة صادراتها إلى الولايات المتحدة (..).
كما استعرضت الهيمنة الصينية على سوق المعادن النادرة، والتي بلغت 90 بالمئة من القدرة العالمية، مشيرة إلى أن قيود التصدير المفروضة في 2025 شلت سلاسل الإمداد العسكرية الأميركية.
في المقابل، أوضحت ياي شين هوا أن الصين تواجه تحديات هيكلية، أبرزها القصور في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، خاصة في صناعة الرقائق الدقيقة التي تعتمد فيها على معدات أجنبية مثل أجهزة الطباعة الضوئية. كما أشارت إلى استمرار اعتماد الصين النسبي على السوق الأميركية، حيث تمثل الصادرات إلى الولايات المتحدة نسبة كبيرة من إجمالي صادراتها وترتبط بقرابة 20 مليون وظيفة، مما يجعل أي تصعيد تجاري ذا تأثير اجتماعي واضح.
واختتمت ياي شين هوا بالتأكيد على أن الصين، رغم الضغوط، نجحت في تعزيز توازنها الاقتصادي وتوسيع سوقها الداخلية، لكنها بحاجة إلى تسريع التحول الهيكلي وتطوير قدراتها الذاتية. كما شددت على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة كركيزة لاستقرار العلاقات الثنائية، مشيرة إلى تصريح الرئيس شي جين بينغ بأن تحسين العلاقات مع واشنطن ليس خيارًا بل ضرورة تخدم مصالح البلدين والاقتصاد العالمي.
توقعات متشائمة
وفي سياق متصل، يشير تقرير لـ "بلومبيرغ" إلى تفاقم القلق بشأن انكماش الاقتصاد الصيني بين الاقتصاديين بعد الهدنة التجارية.
- يتوقع خبراء الاقتصاد أن تتفاقم الضغوط الانكماشية في الصين، حتى مع تحسن توقعاتهم للنمو والصادرات هذا العام بعد هدنة في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
- من المرجح أن ترتفع أسعار المستهلك بنسبة 0.3 بالمئة فقط في العام 2025 مقارنةً بالعام الماضي، وهو أدنى توقع منذ أن بدأت بلومبرغ استطلاعات الرأي في عام 2023، وبانخفاض عن نسبة 0.4 بالمئة المتوقعة في أبريل.
- شهدت الصين انخفاضًا في الأسعار على مستوى الاقتصاد لعامين متتاليين، مع انخفاض تضخم أسعار المستهلك إلى ما دون الصفر خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
- تتدهور توقعات الأسعار رغم التوقعات المتفائلة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد اتفاق الصين والولايات المتحدة على تخفيض مؤقت للرسوم الجمركية العقابية التي فرضتاها على بعضهما البعض.
- ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 بالمئة هذا العام، بناءً على استطلاع رأي شمل 67 اقتصاديًا ومحللًا أُجري خلال الأسبوع الماضي، بزيادة عن متوسط التوقعات البالغ 4.2 بالمئة في الاستطلاع السابق.
قاعدة استهلاكية
قال أستاذ الاقتصاد الدولي علي الإدريسي، إن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة تظهر بوضوح ملامح القوة والضعف في الاقتصاد الصيني، مؤكداً أن بكين تمتلك قاعدة استهلاكية هائلة تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، ما منحها قوة تعويضية مهمة في مواجهة خسائر التصدير، إلى جانب مرونة سلاسل التوريد المتكاملة التي تتيح للصين تصنيع كل شيء من المواد الخام إلى المنتجات عالية التقنية.
وأشار إلى أن قدرة الدولة الصينية على التدخل السريع لدعم القطاعات المتضررة، واحتياطياتها الضخمة من العملات الأجنبية تشكل مظلة أمان للاقتصاد الصيني في مواجهة الضغوط الأميركية. كما لفت إلى أن بكين نجحت في ممارسة ضغوط مضادة على واشنطن من خلال فرض تعريفات جمركية على منتجات أميركية استراتيجية، في حين تكثف تعاونها مع شركاء دوليين ضمن مبادرات مثل "الحزام والطريق" لتقليل اعتمادها على السوق الأميركية.
لكن الإدريسي يشدد على أن الحرب التجارية كشفت أيضًا عن نقاط ضعف في الاقتصاد الصيني، أبرزها الاعتماد النسبي على السوق الأميركية في بعض القطاعات الحساسة مثل الإلكترونيات، وتراجع ثقة المستثمرين الأجانب بسبب حالة عدم الاستقرار، إلى جانب تعرض اليوان لضغوط هبوطية، وهو ما فاقم اتهامات الولايات المتحدة للصين بالتلاعب بالعملة.
كما أوضح الإدريسي أن القيود الأميركية المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية، مثل هواوي، أظهرت حجم الفجوة التكنولوجية بين البلدين.