التنافسية الأوروبية تواصل فقدان الزخم.. لهذه الأسباب
17:13 - 17 مارس 2024تتسع الفجوة الإنتاجية بين الولايات المتحدة الأميركية وأوربا على نطاق واسع، وبما يعزز مخاوف القارة العجوز من مواجهة أزمة تنافسية متصاعدة، الأمر الذي يدفع صانعي السياسات إلى الدعوة بشكل مستمر لزيادة الاستثمار العام والخاص.
- أحدث البيانات الصادرة الأسبوع الماضي، تكشف عن تراجع إنتاجية منطقة اليورو بنسبة بلغت 1.2 بالمئة في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة بمعدلات نفس الفترة من الربع الرابع من العام 2022.
- بينما في الولايات المتحدة، فقد تم تسجيل ارتفاع بنسبة 2.6 بالمئة في نفس الفترة.
ويشار إلى أن نمو إنتاجية العمل في الولايات المتحدة كان أكثر من ضعف في منطقة اليورو والمملكة المتحدة في العقدين الماضيين، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" سلط الضوء على أزمة القدرة التنافسية التي تواجهها القارة العجوز.
نقل التقرير عن المدير الإداري لمعهد الإنتاجية في المملكة المتحدة، بارت فان آرك، قوله:
- على المدى الطويل، من المتوقع أن يكون نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة أعلى منه في أوروبا.
- أوروبا لا تظهر نفس الديناميكية. وهذا يؤدي إلى اتساع فجوة النمو بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
فيما يزعم بعض الاقتصاديين أن نمو الولايات المتحدة أسرع من منطقة اليورو جزئياً لأن سكانها أصغر سناً، وينموون بسرعة أكبر، ويعملون لساعات أطول. لكن جزءاً كبيراً من فجوة الإنتاج يرجع إلى أن الناس في الولايات المتحدة ينتجون أيضاً المزيد عن كل ساعة يعملون فيها.
ويشير التقرير، إلى أن صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي ينظرون إلى هذا الاتجاه باعتباره مثيرا للقلق العميق ــ ويعكس الفشل طويل الأمد في مضاهاة مستويات الاستثمار في القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة.
- نما الناتج لكل ساعة عمل (وهو مقياس قياسي لإنتاجية العمل) بأكثر من 6 بالمئة في قطاع الأعمال غير الزراعي في الولايات المتحدة منذ عام 2019، وفقا للبيانات الرسمية.
- هذا المعدلات تفوق بكثير منطقة اليورو والمملكة المتحدة، اللتين شهدتا نموا بنحو 1 بالمئة خلال الفترة نفسها.
- القفزة الأخيرة في الإنتاجية في الولايات المتحدة تأتي بعد حوافز مالية ضخمة تركزت على الصناعة الخضراء، وفترة محمومة من إعادة التوظيف، وارتفاع في تشكيل الأعمال التجارية الجديدة في النقاط الساخنة التي تعمل من المنزل.
- على النقيض من ذلك، تلقت منطقة اليورو دعماً مالياً أقل من الحكومات في حين عانت من ارتفاع أكبر كثيراً في أسعار الطاقة نتيجة للحرب في أوكرانيا. كما أن تفتت الأسواق المالية في أوروبا، والسياسة المالية والتنظيمية، يجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية من الولايات المتحدة.
ووفق محافظ البنك المركزي اليوناني، يانيس ستورناراس، فإنه "عندما تتعرض أوروبا لصدمة، فإنها تصبح مجزأة، لذا لا تستجيب بشكل متماسك مثل الولايات المتحدة".
تداعيات الحرب في أوكرانيا
من بروكسل، أرجع الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي، أحد أسباب تراجع التنافسية الأوروبية في الإنتاج الصناعي والزراعي إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، خاصة خلال الفترة الأخيرة مع ارتفاع تكاليف الغاز والنفط والفحم الحجري، بالإضافة إلى عديد من المنتجات الكيماوية الزراعية.
وأوضح رجائي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن دول الاتحاد الأوروبي عندما حاولت الاستعاضة عن المحروقات الروسية التي كانت تشتريها بأسعار منخفضة، ببدائل أخرى أعلى سعرًا؛ ارتفعت أسعار الكهرباء والطاقة، ما وضع المصانع الصغيرة والمتوسطة أمام خيارين، إما رفع تكلفة منتجاتها أو إعلان الإفلاس.
ولفت الباحث في الشؤون الأوروبية، إلى أن دول الاتحاد الأوروبي كانت تستورد الكثير من المواد الأولية – التي تستخدم في الصناعات التكنولوجية وغيرها- من روسيا، ما أدى إلى انخفاض القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي وعدم قدرة الاقتصاد الأوروبي على مجاراة نظيره الأميركي.
وتوقع رجائي أن لا يستطيع الاتحاد الأوروبي تخطى هذه الأزمات بسهولة، كما لن يستطيع العودة لما قبل الحرب في أوكرانيا؛ لأسباب عديدة، منها:
- المنافسة الدولية: وجود دول منافسة كالصين وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق أسيا.
- المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدم لأوكرانيا، والتي حرمت كثيراً من القطاعات من النمو بشكل كافٍ، مثل قطاع الزراعة الذي عانى في الفترة الماضية بشكل كبير ما أدى إلى اندلاع احتجاجات ومظاهرات من المزارعين تعترض على السياسات المتبعة من قبل صناع القرار في الاتحاد الأوروبي، بسبب عجزها عن توفير ما يلزم للمزارعين والحفاظ على دخل ثابت لهم.
وأشار في الوقت نفسه إلى أن المزارع العائلية التي من المفترض أن تتوارثها الأجيال وأن يقوم أبناء المزارعين على أمورها والعمل فيها، بدأ الآلاف منها في الاختفاء، وهذا يشكل أعباء إضافية على أزمة الاتحاد الأوروبي.
سد الفجوة
نقل تقرير الصحيفة البريطانية تصريحات سابقة لعضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، إيزابيل شنابل، قولها إن الأمر "أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى" بالنسبة لزعماء منطقة اليورو هو سد فجوة الإنتاجية مع الولايات المتحدة.
وشددت على أن ذلك ضرورياً لمعالجة "أزمة القدرة التنافسية"، حيث يواجه المصنعون في الاتحاد الأوروبي أسعار طاقة أعلى وتحديات أكبر في القوى العاملة مقارنة بنظرائهم الأميركيين أو الصينيين.
ويشعر البنك المركزي الأوروبي أيضاً بالقلق من أن انخفاض الإنتاجية سيزيد من خطر بقاء التضخم مرتفعاً من خلال رفع تكاليف العمالة لشركات منطقة اليورو، في الوقت الذي يفكر فيه في الوقت المناسب لخفض أسعار الفائدة التي بلغت ارتفاعاً قياسياً.
ووفق المسؤولة بالبنك، فإن أحد الأسباب الجذرية لضعف منطقة اليورو هو فشلها في جني مكاسب كفاءة التقنيات الرقمية كما فعلت الولايات المتحدة في مرحلة سابقة. وقالت إن تعزيز المنافسة سيكون جزءا من الحل، ولكنها دعت أيضا إلى تنفيذ أسرع وأكثر فعالية لبرنامج الجيل القادم للاستثمار العام التابع للاتحاد الأوروبي.
المنافسة مع الولايات المتحدة
كذلك فسر الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، هذا التباين أو الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، يظهر من خلال العوامل الآتية:
- التقدم التكنولوجي: تركيز الولايات المتحدة الأميركية القوي على التكنولوجيا المتقدمة والابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والتكنولوجيا الحيوية، في تحقيق قفزات هائلة في الإنتاجية.
- صعوبة مواكبة هذا الزخم بسبب تفاوت مستويات الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار بين دول الاتحاد الأوروبي.
- التنوع الاقتصادي وهيكل السوق: يتميز الاقتصاد الأميركي بقطاع خدمات متطور جدًا وقطاع تكنولوجيا قوي يساهمان بشكل كبير في النمو الاقتصادي.
وأفاد أرشيد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن الاتحاد الأوروبي تعتمد بعض دوله بشكل كبير على الصناعات التقليدية مثل التصنيع والزراعة، والتي قد لا تشهد نفس معدلات النمو والابتكار كقطاعات التكنولوجيا والخدمات، عكس الولايات المتحدة التي تقدم حوافز ضريبية أكبر للشركات وتتبنى سياسات تدعم ريادة الأعمال والابتكار، وفي المقابل، تواجه الشركات في منطقة اليورو تحديات متعلقة بالتنظيمات الحكومية الأكثر صرامة، ونظم الضرائب المعقدة، والبيروقراطية، ما يحد من قدرتها على التوسع والابتكار.
وأوضح أن العوامل الديموغرافية والاجتماعية مثل التركيبة السكانية والتعليم والمهارات، تلعب دورا مهما في تباين الإنتاجية، منوها إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات ديموغرافية مثل: شيخوخة السكان؛ فالقوى العاملة المتقدمة في السن أقل ميلاً لتبني التكنولوجيات الجديدة والمهارات المبتكرة مقارنة بالقوى العاملة الأصغر سنا في أميركا، التي تتميز بمستوى أعلى من الديناميكية والتكيف مع التغيرات التكنولوجية.
كيف ينجو الاقتصاد الأوروبي؟
وأكد الباحث في الشؤون الاقتصادية، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الاتحاد الأوروبي يحتاج من أجل تحسين التنافسية وزيادة الإنتاجية، إلى:
- التركيز على تعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا والابتكار.
- تطوير سياسات داعمة للأعمال تشجع على الريادة والنمو.
- تحسين نظم التعليم وتطوير المهارات لضمان وجود قوى عاملة ماهرة ومتكيفة مع متطلبات العصر الحديث.
واستشهد أرشيد بالتجربة الألمانية في مجال التدريب المهني، إذ تسهم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في توفير تدريب عملي يلبي احتياجات سوق العمل، ما يساهم في زيادة الإنتاجية والابتكار.
وبين كذلك أن تراجع إنتاجية منطقة اليورو لا يؤثر فقط على الاقتصادات المحلية داخل الاتحاد الأوروبي، بل يمتد تأثيره أيضًا ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره؛ بسبب الترابط الكبير بين الاقتصادات العالمية في ظل العولمة، حيث يؤدي أي تباطؤ في منطقة اقتصادية رئيسية مثل منطقة اليورو إلى تداعيات على الأسواق العالمية، والتجارة، والاستثمارات الدولية.
كما أفاد أيضاً بأن تراجع إنتاجية منطقة اليورو لا يؤثر فقط على الاقتصادات المحلية داخل الاتحاد الأوروبي، بل يمتد تأثيره أيضًا ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره؛ في عصر العولمة، إذ يؤدي أي تباطؤ في منطقة اقتصادية رئيسية مثل منطقة اليورو إلى تداعيات على الأسواق العالمية، والتجارة، والاستثمارات الدولية.
أرشيد أشار كذلك إلى أن تأثير تراجع إنتاجية الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد العالمي يمكن أن يتلخص في:
- سلاسل التوريد العالمية: كثير من الشركات في مختلف أنحاء العالم تعتمد على المواد الأولية، المكونات، والسلع المتوسطة المنتجة في منطقة اليورو، لذا يؤدي تراجع الإنتاجية في هذه المنطقة إلى تباطؤ في عمليات التصنيع وزيادة في تكاليف الإنتاج، ما يؤثر سلباً على الكفاءة والتنافسية للشركات على مستوى عالمي.
- الطلب العالمي: أي انخفاض في الإنتاجية لدى منطقة اليورو سيسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، وتقليل القدرة الشرائية للمستهلكين والشركات في هذه المنطقة، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض الطلب على الواردات من الدول الأخرى، ما يؤثر سلباً على الصادرات والنمو الاقتصادي في الاقتصادات الأخرى.
ولفت أرشيد إلى أن المستثمرين الدوليين غالبا ما يراقبون عن كثب أداء الاقتصادات الكبرى، مثل منطقة اليورو؛ لتقييم مخاطر الاستثمار واتخاذ قراراتهم؛ لذا فأي علامات على التباطؤ أو التراجع في الإنتاجية قد يؤدي إلى انخفاض الثقة في الأسواق المالية، ما يؤثر على أسعار الأسهم، وسندات الدين، وحتى أسعار صرف العملات.
تحول بنيوي
وبالعودة لتقرير "فاينانشال تايمز" فإنه شدد على أن "ليس كل خبراء الاقتصاد مقتنعين بأن القوة التي حققتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تشكل دليلاً على التحول البنيوي".
ونقل عن كبير الاقتصاديين في بنك يوني كريديت، إريك نيلسن، قوله إن الضعف الحالي في اقتصاد منطقة اليورو يُعتبر نوعًا من الظواهر الإحصائية (مما يعني أنه ليس بالضرورة يعكس الوضع الحقيقي للاقتصاد)، ذلك أن أصحاب العمل الذين واجهوا صعوبات في التوظيف خلال فترة النمو الاقتصادي بعد جائحة كوفيد-19، يقومون الآن بتجميع العمال أثناء فترة الانكماش الاقتصادي، وذلك ربما لتفادي صعوبات التوظيف في المستقبل القريب.