رغم تراجع التضخم.. حكومات تحت مقصلة غضب المستهلكين
15:44 - 12 نوفمبر 2024يؤثر غضب المستهلكين المستمر بسبب ارتفاع الأسعار سلبًا على الحكومات في عديد من الاقتصادات المتقدمة، على الرغم من تراجع التضخم إلى مستوياته الطبيعية تقريباً.
وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تقرير لها اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، أن الارتفاع المفاجئ في التكاليف بشكل مفاجئ وسريع يترك إرثاً صعباً بالنسبة للسياسيين الحاليين.
ويستدل التقرير على ذلك باستطلاعات الرأي أشارت إلى أن السخط بشأن الاقتصاد كان بمثابة حافز رئيسي للناخبين الجمهوريين في الانتخابات الأميركية الأسبوع الماضي، مما أسهم في هزيمة نائبة الرئيس كامالا هاريس على يد دونالد ترامب.
كذلك فإن الحكومات في بلدان مثل المملكة المتحدة واليابان عانوا في الانتخابات هذا العام، وهذا يعود إلى حد كبير إلى الغضب إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة. كما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن إرث التضخم سوف يلعب دوراً أيضاً في الانتخابات الوطنية العام المقبل، بما في ذلك في ألمانيا وكندا.
في هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة مانشستر، روبرت فورد: "الأمر يستغرق بعض الوقت.. ولن ينتهي التضخم بالنسبة للناخبين العاديين إلا عندما يعتادون على مستويات الأسعار الجديدة، ولم نصل إلى هذه النقطة بعد".
وأشار التقرير إلى أن:
- متوسط معدل التضخم انخفض في مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الغنية إلى أدنى مستوى له منذ صيف عام 2021 في سبتمبر ، وهو أحدث شهر تتوفر عنه مجموعة كاملة من البيانات.
- يحوم الآن حول هدف البنوك المركزية البالغ 2 بالمئة في أكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وكندا.
- لكن ثقة المستهلك تظل أقل بنسبة 1.7 بالمئة عن مستويات ما قبل الجائحة في مختلف أنحاء المجموعة، وهو ما يعكس السخط إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة.
- في حين تنمو الأجور الآن بوتيرة أسرع من الأسعار، فإن الدخول الحقيقية في الكثير من الاقتصادات الكبرى تجاوزت بالكاد مستويات ما قبل كوفيد.
- وكان متوسط مستويات الأسعار في جميع أنحاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى بنحو 30 بالمئة في سبتمبر 2024 مما كانت عليه في ديسمبر 2019، قبل أن يؤدي ظهور كوفيد-19 إلى سلسلة من الصدمات واستجابات السياسات، والتي عندما اقترنت ببدء الحرب في أوكرانيا ، أدت إلى تأجيج ارتفاع التضخم.
التكاليف المرتفعة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية بول ديلز: "ينظر المستهلكون إلى مقدار ما ينفقونه على فواتير الخدمات العامة أو التسوق الأسبوعي للمواد الغذائية، ويستنتجون أن هذه التكاليف لا تنخفض، وبالتالي فإن أزمة تكاليف المعيشة لا تزال مستمرة".
كما ذكر الخبير الاقتصادي في بنك يو بي إس، بول دونوفان أن المستهلكين والناخبين يميلون إلى تذكر مستويات الأسعار، وأضاف في مذكرة أن الأسعار القديمة تظل عالقة في أذهان الناس لمدة 18 شهراً أو أكثر، وأن الأسعار الأعلى تعتبر "غير عادلة".
كما قالت أستاذة الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس أمهرست، إيزابيلا ويبر:
- الأبحاث التاريخية تظهر أن نوبات التضخم يمكن أن تزعزع استقرار مجتمعات وأنظمة سياسية بأكملها.
- الحلقة الأخيرة كانت خطيرة بشكل خاص لأن الاقتصادات المتقدمة لم تعتد على معدلات التضخم المرتفعة منذ سبعينيات القرن الماضي.
- ارتفاع الأسعار كان مدفوعا بشكل رئيسي بالسلع الأساسية مثل الغذاء والإسكان والطاقة والنقل.
مخاوف من الاضطرابات
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن زيادة نسبة التضخم في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة في العامين الماضيين وراء موجة الاحتجاجات والإضرابات المعبرة عن تنامي الغضب، أمام ارتفاع تكلفة المعيشة.
وأضاف أن الساسة في الغرب من كل الأحزاب يخشون انفلات الاضطرابات الاقتصادية التي تتحول إلى أزمة سياسية، ومن ثم تؤدي إلى صعود اليمين المتطرف، كما حصل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، موضحًا أن هناك مخاوف من أن ينفرط العقد في معظم الدول الأوروبية بعد إعادة انتخاب الرئيس ترامب في أميركا، وما يهدد ذلك من اضطرابات شعبية للأجانب والمهاجرين.
وأشار إلى أن الخطر المحدق بالزعماء السياسيين أصبح أكثر وضوحا، في وقت يطالب الناس باتخاذ إجراءات فعلية لخفض الأسعار وزيادة الرواتب، وكذلك خفض أسعار الفائدة المرتفعة .
وذكر أن ارتفاع سعر الطاقة أدى إلى زيادة نسبة التضخم في 19 دولة داخل منطقة اليورو إلى مستوى 9.9 بالمئة، ما جعل من الصعب على المواطنين شراء ما يريدونه، ولم يجد البعض من خيار سوى النزول إلى الشارع، موضحاً في الوقت نفسه أن المواطنين في أوروبا يجدون أنفسهم مجبرين على ممارسة الضغط على الحكومات بهدف الحصول على زيادة في المرتبات والحفاظ على الدعم الحكومي وخفض الضرائب التي تثقل كاهل الناس.
وبيّن القاسم أنه يمكن أخذ ما يجري في بريطانيا عينة لما يمكن أن يقوم به المحتجون على غلاء الأسعار، فالمزارعون على سبيل المثال يصعدون احتجاجاتهم الآن ضد ميزانية وزيرة الخزانة راشيل ريفز، مهددين بحصار الموانئ وترك رفوف المتاجر فارغة، في تحرك قد يؤدي إلى نقص محتمل في المواد الغذائية.
دول أوروبية تواجه أزمة
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد ذكر أن في ألمانيا، التي تتجه نحو انتخابات مبكرة في أوائل العام المقبل بعد أن تخلى المستشار أولاف شولتز عن ائتلافه الثلاثي، فإن الفائزين السياسيين الرئيسيين من ارتفاع التضخم هم الأحزاب المناهضة للمؤسسة على اليسار واليمين.
وبينما يشعر 44 بالمئة من الألمان بالقلق من أنهم قد لا يتمكنون من تحمل تكاليف نمط حياتهم الحالي، يرتفع الرقم إلى 75 بالمئة و77 بالمئة بين أنصار حزب BSW وحزب AfD على التوالي، وفقا لمسح أجرته مؤسسة Infratest Dimap لصالح هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية العامة ونشرت الشهر الماضي.
بينما في كندا، حيث ستجرى الانتخابات الفيدرالية العام المقبل، استخدم زعيم المعارضة المحافظ بيير بواليفير أزمة تكاليف المعيشة كسلاح ضد رئيس الوزراء جاستن ترودو.
ورغم أن معدل التضخم الآن لا يتجاوز 1.6 بالمئة، فإن تكتيكاته تبدو ناجحة، فقد وصف نحو 34 بالمئة من الكنديين ارتفاع التكاليف بأنه الأولوية القصوى بالنسبة لهم في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ليغر في سبتمبر.
ووفق التقرير، فإنه حتى في الحالات التي تجاوزت فيها الأجور الحقيقية مستويات ما قبل الجائحة، لا تزال الأسعار المرتفعة موضوعا سياسيا ساخنا.
ويستدل على ذلك بأن حوالي تسعة من كل عشرة بريطانيين تمت مقابلتهم في سبتمبر قالوا إن أزمة تكاليف المعيشة كانت "القضية الأكثر أهمية التي تواجه المملكة المتحدة"، على الرغم من انخفاض التضخم الرئيسي إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات عند 1.7 بالمئة.
ارتفاع التضخم والضغط على الحكومات
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن العالم شهد ارتفاعًا بمعدلات التضخم عقب التعافي من جائحة كورونا وارتفاع الطلب العالمي مقابل النقص بالمعروض، كما ازدادت الأمور سوءاً مع توالي التوترات الجيوسياسية.
وقال إن هناك تفاوت في معدلات التضخم بين دولة وأخرى حسب إمكاناتها وناتجها المحلي الإجمالي أو تعدادها السكاني، موضحاً أن ارتفاع معدلات التضخم يمثل ضغطًا كبيرًا على السياسيين والحكومات، ويتأثر به أي اقتصاد لينعكس على:
- التراجع في مستوى معيشة المواطنين وارتفاع بمستويات الفقر.
- وجود تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة.. وتحديات يواجهها المستثمرون والحكومات.
- تأثر مناخ الاستثمار سلبًا نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة.
- تأثر معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التصدير والاستيراد التي تشهد خللًا نتيجة ارتفاع التضخم.
وأكد أن ارتفاع نسبة محدودي الدخل والطبقات الفقيرة في أي دولة يمثل مزيدًا من الضغط على الحكومات ومتخذي القرار، مشيرًا إلى أن الدولة التي وصل فيها معدل الفقر إلى 30 بالمئة يختلف وضعها عن دولة معدلات الفقر فيها 2 بالمئة على سبيل المثال، بالتالي فإن ارتفاع مستويات الفقر ومحدودي الدخل يمثل نسبة كبيرة من الضغط على الحكومة.
وقال إن تجنب الحكومات لغضب المستهلكين يتطلب منها الرقابة على الأسواق وضبطها، إضافة إلى زيادة حزم الدعم الاجتماعي بجانب الإصلاحات الاقتصادية التي لابد أن لا تكون ذات طابع تضخمي، فضلًا عن ضرورة وجود إصلاحات في سوق العمل وزيادة الأجور.