استراتيجية صينية لتنويع الاستثمارات بعيداً عن أميركا
12:57 - 07 مايو 2025
تتبنى الصين استراتيجية هادفة لتنويع استثماراتها بعيداً عن الاعتماد التاريخي على سندات الخزانة الأميركية، بما يتماشى مع تطلعات بكين لتعزيز مرونة احتياطياتها من النقد الأجنبي وتقليل تعرضها للمخاطر المرتبطة بالتقلبات الاقتصادية والسياسية.
وفي هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تحدث التقرير عن استراتيجية صينية "هادئة" إلى تنويع استثماراتها بعيداً عن سندات الخزانة الأميركية، إلى أن:
- لطالما شكّلت سندات الحكومة الأميركية حجر الأساس لاحتياطيات الصين من النقد الأجنبي البالغة 3.2 تريليون دولار.
- حتى الآن، لم يُصدر أي مؤشر علني على أي تغيير في هذه الاستراتيجية، على الرغم من فرض الرسوم الجمركية والتقلبات الأخرى في السياسة الأميركية.
- نائبة محافظ بنك الشعب الصيني، زو لان، قالت في إفادة صحافية قبيل أيام إن محفظة الاستثمار متنوعة بالفعل بشكل فعال، وإن "تأثير التقلبات في أي سوق منفردة أو أصل منفرد على احتياطيات النقد الأجنبي في الصين محدود بشكل عام".
- لكن العديد من المستشارين والباحثين والأكاديميين أعربوا عن قلقهم!
في مقال نُشر في أبريل، قال يانغ بانبان وشو تشي يوان، وهما زميلان بارزان في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: "لم تعد سلامة سندات الخزانة الأميركية أمراً مسلمًا به. لقد ولّى ذلك العصر، وعلينا أن نقلق بشأن هذا التغيير من منظور حماية حيازاتنا من سندات الخزانة".
ويشير التقرير إلى أنه "مع قيام ترامب بتفكيك النظام التجاري العالمي وانتقاده العلني لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، بدأ المستثمرون على نطاق أوسع يتساءلون عن وضع الدولار وسندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن".
وقد أدى انخفاض أسعار سندات الخزانة الأميركية في أبريل، عقب إعلان ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على شركاء أميركا التجاريين، إلى تأجيج مخاوف راسخة في واشنطن وغيرها من الدول من أن الصين قد تهاجم الولايات المتحدة ببيع سنداتها للانتقام. وقد يؤدي ذلك إلى تقلبات مقلقة في أصلٍ تتطلع إليه البنوك المركزية ومديرو الأصول وصناديق التقاعد حول العالم حفاظًا على استقراره.
ويشار إلى أن احتياطيات الصين المقومة بالدولار بلغت ذروتها عند نحو 4 تريليونات دولار في العام 2014، وفقا لبيانات البنك المركزي، وظلت فوق 3 تريليونات دولار منذ العام 2016. وعلى الرغم من عوائدها المنخفضة نسبيا، شكلت سندات الخزانة الأميركية جزءا كبيرا من الاحتياطيات لأنها كانت آمنة وسائلة و(على عكس الذهب) قدمت بعض العائد.
وأظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية أن الصين خفضت حيازاتها الرسمية من سندات الخزانة الأميركية بنسبة تزيد على 27 بالمئة إلى 759 مليار دولار في الفترة ما بين يناير 2022 وديسمبر 2024، وهو ما يفوق بكثير الانخفاض الذي بلغ 17% بين عامي 2015 و2022.
أسباب التقليص
من جانبها، تلخص الكاتبة الصينية ياي شين هوا في تصريحاتها لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" دوافع وخلفيات تقليص الصين حيازتها من سندات الخزانة الأميركية وتنويع احتياطياتها النقدية، مشددة على أن:
- هذا التحرك يعكس اعتبارات استراتيجية متعددة ويمثل مرحلة جديدة في تطور المشهد الاقتصادي العالمي، حيث تملك الصين أكبر احتياطي عملات أجنبية عالمياً، واعتمادها طويل الأمد على الدولار كشف عن مجموعة من المخاطر.
- الدين الأميركي المتفاقم يثير المخاوف بشأن استدامته، ما يهدد بتقلبات في أسعار السندات ومخاطر على الثقة. كما أن السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي تضغط على قيمة الدولار، ما يزيد احتمالية تراجع القيمة الحقيقية للأصول المقومة بالدولار.
أما في الجانب الجيوسياسي، تلفت إلى أن التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بما في ذلك الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة والقيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا، لعبت دوراً في دفع الصين لإعادة تقييم اعتمادها على النظام المالي القائم على الدولار. وعليه، فإن تقليص الصين حيازتها من السندات الأميركية يعد خطوة استراتيجية لتحييد أثر السياسات الأحادية الأميركية.
وتضيف: تعمل الصين أيضاً على زيادة حيازتها من الذهب (بإضافة 44.17 طنًا في 2024) وتوسيع استثماراتها في الأسواق الناشئة ومشاريع البنية التحتية العالمية بهدف تنويع الاحتياطيات وتقوية قدرة الاقتصاد الصيني على مقاومة المخاطر، إلى جانب تعزيز دور اليوان في التجارة الدولية والاحتياطيات العالمية، بما يعزز السيادة المالية الصينية.
على صعيد التأثيرات، ترى الكاتبة الصينية أن الخطوة تعزز مرونة وأمان الاحتياطيات الصينية وتقلل التعرض لمخاطر الدولار، كما تتيح للصين البحث عن استثمارات ذات عوائد أعلى تدعم التنمية الاقتصادية الوطنية. لكنها في المقابل تنطوي على تحديات، إذ تُعد السندات الأميركية من أكثر الأصول أمانًا وسيولة، ما قد يقلص من مرونة الاستثمارات الصينية على المدى القصير، كما أن أي خفض سريع قد يرسل إشارات سلبية للأسواق.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن خفض الصين حيازتها من السندات سيزيد العرض ويخفض الأسعار، مما يرفع عوائد السندات وتكاليف التمويل على الحكومة الأميركية والشركات والمستهلكين، ما قد يضغط على الميزانية الفيدرالية ويقلص مرونة السياسة النقدية. والأخطر، وفق شين هوا، فإن فقدان الثقة بالسندات الأميركية قد يدفع دولًا أخرى لتقليص اعتمادها على الدولار، ما يسرّع وتيرة ما يُعرف بـ"إزالة الدولار" عالمياً ويُضعف هيمنة الدولار على النظام المالي الدولي.
تحدي الدولار
وعن مسألة "تحدي الدولار" التي أشارت إليها الكاتبة الصحافية الصينية، يشير تقرير لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أنه على الرغم من المخاوف العالمية بشأن الدولار الأميركي، فإن اليوان الصيني ليس جاهزاً بعد ليكون منافساً جاداً على مكانة العملة الدولية الرائدة.
وأبرز تحليل للمعهد ثلاثة من أهم النهج الصينية لتعزيز دور اليوان كعملة تسوية دولية:
- أولاً- تعزيز اتفاقيات المبادلة الثنائية بين بنك الشعب الصيني والبنوك المركزية الأخرى.
- ثانياً- إنشاء أنظمة دفع دولية لا تشمل الدولار، وأبرزها نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود.
- ثالثاً- تطوير عملة رقمية للبنك المركزي للبنى التحتية البديلة للدفع.
واعتبر المعهد أن جهود بكين لا ترقى إلى مستوى تشكيل تحدي منهجي للدولار أو للبنى التحتية مثل سويفت. ومع ذلك، فقد مكّنت هذه النهج الصين من استخدام عملتها في السياسة الخارجية الثنائية.
وذكر أنه "ينبغي على صانعي السياسات الأميركيين والأوروبيين النظر في مواجهة هذه الجهود أو تخفيفها، على الرغم من نجاحهم المحدود في زيادة استخدام اليوان".
استراتيجية هادئة
استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تسير الصين بهدوء على مسار تنويع استثماراتها الخارجية بعيداً عن سندات الخزانة الأميركية، في خطوة تعكس تحوّلات استراتيجية في إدارة احتياطاتها الأجنبية.
- هذا التوجه لا يعني التخلي الكامل عن السندات الأميركية، لكنه يشير إلى رغبة صينية في تقليل الاعتماد على الدولار والتحوّط من المخاطر الجيوسياسية والعقوبات المحتملة.
- في المقابل، توجهت الصين لزيادة استثماراتها في الذهب، حيث رفعت احتياطي البنك المركزي من المعدن الأصفر إضافة إلى ضخ استثمارات في البنية التحتية والطاقة والأسهم في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويرى أن هذه الاستراتيجية تقلل من تعرض الصين لتقلبات السياسة النقدية الأميركية، لكنها في المقابل تُضعف من الطلب العالمي على السندات الأميركية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع العوائد وتكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة. كما قد تعمّق هذه الخطوة من الانقسام المالي بين القوتين الأكبر في العالم وتزيد من التوجه نحو نظام مالي دولي أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على الدولار.