إغراءات الكرملين.. كيف يستغل بوتين هوس ترامب بالصفقات؟
03:46 - 07 أبريل 2025
تبرز العلاقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب كنموذج معقد يجمع بين المصالح الاقتصادية والتكتيكات السياسية والرهانات الاستراتيجية، وذلك في خضم التغيرات الجيوسياسية العميقة التي يشهدها العالم.
ترصد تقارير عن محاولات بوتين استغلال طموحات ترامب ورؤيته للعالم من منظور الصفقات الكبرى، سواء عبر تقديم وعود مغرية تتعلق بالموارد الأوكرانية أو التلميح بدعم بعض طموحاته الجيوسياسية، في مشهد يعكس تداخل المصالح بين القوتين العظميين.
يشير تقرير لصحيفة "ذي صانداي تايمز" إلى تقديم الرئيس بوتين لنظيره الأميركي إغراءات تستهدف هوس ترامب بصورته كصانع صفقات بارع، سواء عبر تشجيع رغبته في الاستحواذ على غرينلاند أو تقديم وعود ضمنية بشأن الموارد الأوكرانية، وبما يتضح معه ملامح استراتيجية بوتين وأهدافه النهائية.
- يعتمد بوتين على الإطراء، مستغلاً رغبة ترامب في أن يُنظر إليه كأعظم صانع صفقات.
- وفقاً لدبلوماسي بريطاني مخضرم، فإن بوتين يساعد ترامب على أن يكون "أسوأ نسخة من نفسه"!
- عندما وصف بوتين اهتمام ترامب بغرينلاند بأنه "جدي وله جذور تاريخية عميقة"، كان يشجعه بينما يلمّح إلى أن موسكو لن تعارض تحركاً أميركياً بهذا الاتجاه.
- تصريحات ترامب اللاحقة حول "الحاجة إلى غرينلاند للأمن الدولي" تعزز هذا التوجه، مما قد يزعزع استقرار الناتو.
ووفق التقرير، فإن بوتين يُغري ترامب بوعد تحقيق الأرباح، مستفيداً من رؤيته للسياسة الدولية كوسيلة للإثراء الوطني.
يأتي ذلك في وقت تمارس فيه واشنطن ضغوطاً على أوكرانيا لمنح الشركات الأميركية حصة من عائدات مواردها الطبيعية، في صفقة وصفها مسؤول روسي بأنها "معادلة طبيعية، تسديد مقابل الخدمات المقدمة".
كما يتم الترويج لإمكانية عودة شركات النفط والغاز الأميركية إلى روسيا، في محاولة لجعل ترامب يشعر بأن بوتين يوفر له امتيازات خاصة.
ثلاثة محاور
يلفت التقرير إلى أن تكتيك بوتين التفاوضي يرتكز على ثلاثة محاور:
- أولاً، يوافق على عمليات السلام التي أطلقها ترامب، لكنه يطلب تنازلات في كل خطوة، مثل رفع العقوبات عن الصادرات الزراعية الروسية مقابل هدنة البحر الأسود.
- ثانياً، يستغل كراهية ترامب للرئيس الأوكراني زيلينسكي، مقترحاً عليه معاملة أوكرانيا كدولة تابعة، يتم تقاسم مواردها وأراضيها. وعندما تعترض كييف، يتم تصويرها على أنها ناكرة للجميل، مما يدفع ترامب لمعاقبتها ويجبر زيلينسكي على الارتماء في أحضان أوروبا.
- أما المحور الثالث، فيتعلق بتأجيج انعدام الثقة بين ترامب والاتحاد الأوروبي. بعض مطالب موسكو، مثل إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام "سويفت"، ليست بيد واشنطن وحدها، مما يخلق توترات عبر الأطلسي.
وهنا يواجه الأوروبيون خياراً صعباً: إما الامتثال وإغضاب ناخبيهم، أو الرفض وإثارة غضب ترامب، ما قد يُفسد عملية السلام ويعطي بوتين مبرراً جديداً للمماطلة.
ويشير التقرير إلى أن الرئيس بوتين لا يملك استراتيجية نهائية للحرب، بل يناور تكتيكياً لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة. وأن هدفه الأساسي هو إبقاء أوكرانيا ضعيفة وخاضعة للنفوذ الروسي، لكن دون التزام بخط نهائي واضح.
وإذا فشلت المفاوضات، كما هو مرجح، فسيعمل على تحميل زيلينسكي أو الأوروبيين المسؤولية، مستفيداً من غضب ترامب الذي يرى أي فشل في تحقيق السلام كإهانة شخصية.
مصالح اقتصادية وجيوسياسية
إلى ذلك، يشير الخبير والمحلل الروسي ديمتري بريجع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى عدة نقاط أساسية في ظل قيادة شخصيات مثل بوتين وترامب، اللذين يميلان إلى التعامل مع السياسة الدولية من منظور المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بدلاً من الأيديولوجيا أو القيم الديمقراطية.
ويتناول بريجع أبرز نقاط التحليل على النحو التالي:
أولاً- البعد الاقتصادي في العلاقات الروسية-الأميركية
- يركز ترامب على "اتفاقات الكبار" التي تعكس نهجاً تجارياً أكثر منه تصعيداً أيديولوجياً.
- قد تكون أوكرانيا، وخاصة منطقة دونباس الغنية بالموارد، ساحةً لمثل هذه الاتفاقات، مما يفتح المجال أمام الشركات الأميركية للاستفادة من الثروات الطبيعية هناك.
ثانياً- الملف الأوكراني كمحور رئيسي
بوتين يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في أوكرانيا، إما من خلال تغيير النظام أو فرض حكومة مؤقتة مقبولة لدى روسيا وأميركا.
واشنطن قد تستخدم نفوذها لإعادة هيكلة أوكرانيا وفق توازنات جديدة تحقق الاستقرار للمصالح الروسية والأميركية معاً.
ثالثاً- التوجه نحو التفاهم بدلاً من التصعيد
- قد نشهد تحولاً نحو تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى بدلاً من المواجهة المباشرة، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بطريقة أكثر براغماتية.
ويضيف: "من الناحية السياسية، يعتمد هذا السيناريو على فرضية أن ترامب سيكون قادراً على تجاوز المؤسسة السياسية الأميركية التي تميل إلى نهج أكثر صرامة تجاه روسيا.. ومن الناحية الاقتصادية، قد تواجه هذه الرؤية تحديات من الكونغرس والشركات المنافسة، خاصة تلك التي ترى في روسيا تهديداً استراتيجياً".
أما من الناحية الجيوسياسية، يبقى موقف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عاملاً حاسماً، حيث قد تعارض دول أوروبا الشرقية أي تقارب أميركي-روسي على حساب أوكرانيا.
عالم متعدد الأقطاب
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطة دونالد ترامب لضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، معتبراً أن هذه الخطوة ليست مفاجئة بل لها جذور تاريخية.
هذا التأييد جاء خلال منتدى للسياسات في القطب الشمالي بمدينة مورمانسك، حيث طرح بوتين حججاً تاريخية أكثر تفصيلاً من أي مسؤول أميركي حتى الآن لدعم الضم.
- يتضح أن دعم بوتين لخطط ترامب نابع من رغبته في ترسيخ "عالم متعدد الأقطاب"، حيث تستطيع روسيا فرض هيمنتها على مناطق نفوذها مثل أوكرانيا وبيلاروسيا.
- لطالما انتقد بوتين الهيمنة الأميركية منذ خطابه في ميونيخ عام 2007، لكنه الآن يجد في ترامب رئيساً أميركياً يشاطره رفض النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.
ويضيف التقرير أن نهج بوتين يتوافق مع رؤية ترامب القائمة على المعاملات المباشرة والريبة تجاه المؤسسات الدولية، بدءاً من الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه ترامب سابقاً بأنه تأسس لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة.
كما أن إدارة ترامب، التي تضم شخصيات مثل ماركو روبيو وجي دي فانس، تبنت سياسة تقليص الدور الأميركي في أوروبا، مع التركيز على تعزيز النفوذ في نصف الكرة الغربي، في توجه يشبه مبدأ مونرو لعام 1823.
وفي ظل هذا التراجع الأميركي عن أوروبا، يجد الكرملين فرصة لتعزيز نفوذه، خاصة مع تصاعد خطاب ترامب الذي يتحدث عن استعادة قناة بنما أو ضم كندا كولاية أميركية، وفق التقرير، الذي يشير إلى أنه مع كل تصريح من هذا النوع، يترسخ تحالف غير معلن بين ترامب وبوتين، حيث يرى الأخير أن طموحات ترامب تعكس رؤيته لعالم جديد يتجاوز القواعد الدولية التقليدية.
طبيعة العلاقات
بدوره، يشير الأستاذ في كلية موسكو العليا للاقتصاد، الدكتور رامي القليوبي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- هناك كيمياء شخصية متبادلة بين بوتين وترامب، حيث يرى بوتين في ترامب شخصية تأتي من خارج المؤسسة التقليدية في السياسة الأميركية، مما يجعله أقرب إلى الموقف الروسي في بعض القضايا الدولية.
- مع ذلك، فإن هذه العلاقة لا تخلو من التعقيدات، إذ تلعب "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة دوراً مهماً في تشكيل سياسات ترامب تجاه روسيا، ذلك أن النخب الأميركية التقليدية لا تزال تتبنى موقفاً معادياً لروسيا.
- هذا التأثير بدا واضحاً خلال ولاية ترامب الأولى، حيث بدأ ترامب برفع شعارات تطبيع العلاقات مع موسكو، لكنه اضطر لاحقاً لفرض عدة حزم من العقوبات عليها.
ويشير أيضاً إلى أن الموقف الأميركي تجاه روسيا قد يزداد تشدداً، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتأثير الضغوط السياسية الداخلية على ترامب، مما قد يؤدي إلى تراجع تلك العلاقة الشخصية بينه وبين بوتين إلى الخلفية السياسية.
تفاهمات
من جانبه، يسلط المحلل الروسي، تيمور دويدار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الضوء على طبيعة العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إذ يصفها بأنها "ليست قائمة على المشاعر الشخصية، بل على تفاهم وتحالف ضمن إطار محاربة العولمة في النظام العالمي".
ويشير إلى أن تفاهمات الطرفين تدور حول هذا النطاق، مع وجود احترام متبادل لمصالح البلدين ومصالح القوى الحاكمة في كل منهما. ويبرز ذلك من خلال التعامل مع الملفات الكبرى مثل:
- الأزمة العسكرية في أوكرانيا.. والتفاعل مع العلاقات الأميركية الأوروبية في هذا السياق.
- ملف الشرق الأوسط، خصوصاً إيران، والذي يُعتبر جزءاً من هذه التفاهمات وإن كان أقل تداولًا في النقاشات العامة.
- الصين، التي تشكل محوراً رئيسياً في إدارة التوازنات الدولية.
ويخلص دويدار إلى أن هذه القضايا تمثل المحاور الأساسية التي تجمع بوتين وترامب في رؤيتهما لإدارة العالم، رغم الاختلافات بينهما في بعض التفاصيل.