ما الذي تكشفه الهجمات على خطوط الغاز الرئيسية في إيران؟
17:14 - 17 فبراير 2024نفذت إسرائيل هجمات سرية على خطي أنابيب رئيسيين للغاز الطبيعي داخل إيران هذا الأسبوع، مما أدى إلى تعطيل تدفق الحرارة والغاز إلى المحافظات التي يسكنها ملايين الأشخاص، وفقًا لمسؤولين غربيين وخبير استراتيجي عسكري تابع للحرس الثوري الإيراني.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" فإن الضربات تمثل تحولاً ملحوظاً في حرب الظل التي تشنها إسرائيل وإيران جوا وبرا وبحرا وهجمات إلكترونية منذ سنوات.
- لطالما استهدفت إسرائيل المواقع العسكرية والنووية داخل إيران، واغتالت علماء وقادة نوويين إيرانيين، داخل البلاد وخارجها.
- شنت إسرائيل أيضًا هجمات إلكترونية لتعطيل الخوادم التابعة لوزارة النفط، مما تسبب في اضطرابات في محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد.
لكن مسؤولين ومحللين قالوا إن تفجير جزء من البنية التحتية للطاقة في البلاد، التي تعتمد عليها الصناعات والمصانع وملايين المدنيين، يمثل تصعيدا في الحرب السرية ويبدو أنه يفتح جبهة جديدة.
وبحسب ما ذكره وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، لوسائل الإعلام الإيرانية، الجمعة، فإن ما وصفه بـ "خطة العدو" كانت تعطيل تدفق الغاز بشكل كامل في الشتاء إلى لعديد من المدن والمقاطعات الرئيسية في البلاد.
ولم يصف أوجي، الذي كان قد أشار سابقًا إلى الانفجارات على أنها "هجمات تخريبية وإرهابية"، إلى حد إلقاء اللوم علنًا على إسرائيل أو أي متهم آخر. لكنه قال إن هدف الهجوم هو الإضرار بالبنية التحتية للطاقة في إيران وإثارة الاستياء الداخلي.
وقال مسؤولون غربيون وخبير استراتيجي عسكري إيراني إن هجمات خط أنابيب الغاز التي شنتها إسرائيل تتطلب معرفة عميقة بالبنية التحتية الإيرانية وتنسيقًا دقيقًا، خاصة وأن خطي أنابيب أصيبا في مواقع متعددة في نفس الوقت.
ضربة رمزية كبيرة
ووفق تقرير الصحيفة الأميركية، فقد وصف أحد المسؤولين الغربيين الضربات بأنها "ضربة رمزية كبيرة كان من السهل إلى حد ما على إيران إصلاحها ولم تسبب سوى ضرر بسيط نسبيًا للمدنيين".
لكنه قال في الوقت نفسه إن القرار أرسل تحذيرا صارخا من الضرر الذي يمكن أن تلحقه إسرائيل مع إمكانية انتشار الصراع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتصاعد التوترات بين إيران وخصومها، ولا سيما إسرائيل والولايات المتحدة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولون غربيين، قولهم إن إسرائيل تسببت أيضا في انفجار منفصل يوم الخميس داخل مصنع للكيماويات على مشارف طهران مما هز أحد الأحياء وأدى إلى تصاعد أعمدة من الدخان والنار في الهواء. لكن مسؤولين محليين قالوا إن انفجار المصنع نتج عن حادث في خزان الوقود بالمصنع.
وقالت إيران إنها لا تريد حربا مباشرة مع الولايات المتحدة، ونفت تورطها في هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل أو الهجمات المختلفة ضد أهداف أميركية وإسرائيلية في المنطقة منذ ذلك الحين.
ويضيف تقرير الصحيفة: لكن إيران تدعم وتسلح شبكة من الميليشيات الوكيلة التي تقاتل بنشاط مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان والجماعات المسلحة في العراق وسوريا. كما قامت إيران بتسليح وتدريب حماس وآخرين داخل قطاع غزة.
وتصاعدت الضربات والضربات المضادة في جميع أنحاء المنطقة في الأشهر الأخيرة. وقتلت إسرائيل اثنين من كبار القادة الإيرانيين في سوريا، في حين ضربت الولايات المتحدة قواعد عسكرية مرتبطة بالحرس الثوري ووكلائه في العراق وسوريا بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة بدون طيار.
كما عانت إيران من واحدة من أكبر الهجمات في تاريخها في يناير، عندما قتل مفجرون انتحاريون حوالي 100 شخص في كرمان (في الجنوب الشرقي لإيران) خلال حفل تأبين القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، الذي قتلته الولايات المتحدة قبل أربع سنوات. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري.
تفجيرات متتالية
يقول المسؤولون الغربيون الآن إن إسرائيل هاجمت داخل حدود إيران بتفجيرات متتالية أثارت قلق الإيرانيين.
ونقل تقرير الصحيفة عن شاهين مدرس، وهو محلل أمني مقيم في روما يركز على الشرق الأوسط، قوله: "يظهر هذا أن الشبكات السرية العاملة في إيران وسعت قائمة أهدافها وتقدمت إلى ما هو أبعد من المواقع العسكرية والنووية فقط"، مشدداً على أن ذلك يعد "تحدٍ كبير وضربة لسمعة وكالات الاستخبارات والأمن الإيرانية".
- استهدف الهجوم التخريبي عدة نقاط على طول خطي أنابيب غاز رئيسيين في محافظتي فارس وجهار محل بختياري يوم الأربعاء.
- لكن انقطاع الخدمة امتد إلى المنازل السكنية والمباني الحكومية والمصانع الكبرى في خمس محافظات على الأقل في جميع أنحاء إيران، وفقًا لمسؤولين إيرانيين وتقارير وسائل إعلام محلية.
- وتحمل خطوط الأنابيب الغاز من الجنوب إلى المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان.
- ويمتد أحد خطوط الأنابيب على طول الطريق إلى أستارا، وهي مدينة قريبة من الحدود الشمالية لإيران مع أذربيجان.
هجمات كاسحة
يقدر خبراء الطاقة أن الهجمات على خطوط الأنابيب، التي يمتد كل منها لمسافة حوالي 1200 كيلومتر أو 800 ميل وتحمل ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، قد عطلت حوالي 15 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي اليومي في إيران، مما يجعلها هجمات كاسحة بشكل خاص على إيران.
ووفق كبير محللي الطاقة في شركة كبلر، هومايون فالكشاهي: "كان مستوى التأثير مرتفعًا للغاية لأن هذين الخطين مهمان يتجهان من الجنوب إلى الشمال"، مردفاً: "لم نشهد شيئًا كهذا من حيث الحجم والنطاق."
وقال وزير النفط الإيراني، الجمعة، إن الفرق الفنية من الوزارة عملت على مدار الساعة لإصلاح الأضرار، وأن التعطيل كان في حده الأدنى وتم استعادة الخدمة.
لكن تقييمه يتعارض مع تعليقات المحافظين المحليين ومسؤولين من شركة الغاز الوطنية الإيرانية، الذين وصفوا انقطاع الخدمة على نطاق واسع في خمس محافظات، ما أدى إلى إغلاق المباني الحكومية.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نصح خبراء الطاقة الإيرانيون الناس في المناطق المتضررة، حيث انخفضت درجات الحرارة في بعض الأماكن إلى ما دون درجة التجمد، بارتداء ملابس دافئة.
ووقعت الانفجارات حوالي الساعة الواحدة صباحا بالتوقيت المحلي، مما أدى إلى رعب السكان الذين فروا من منازلهم وتدفقوا إلى الشوارع، وفقا لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وصف الناس الانفجارات بصوت عالٍ لدرجة أنهم استيقظوا معتقدين أن قنبلة قد أسقطت. ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات.
تدمير قدرات الغاز الإيرانية
وقال المسؤول في شركة الغاز الوطنية، لوسائل الإعلام الإيرانية، سعيد أغلي، إن المسؤولين دعوا على الفور إلى اجتماع طارئ حضره وزير النفط ومسؤولون من وزارة الخارجية وممثلون عن جميع أجهزة المخابرات والأمن الإيرانية. وأفاد بأن الهدف من التخريب هو تدمير حوالي 40 بالمئة من قدرة نقل الغاز في البلاد.
وأوضح تقرير الصحيفة أنه لا يزال من غير الواضح كيف تم ضرب خطوط الأنابيب – بطائرات بدون طيار أو متفجرات مثبتة على الأنابيب أو بأي وسيلة أخرى.
وقال محللون إن البنية التحتية للطاقة في إيران قد تم استهدافها في الماضي، لكن تلك الحوادث كانت أصغر بكثير من حيث النطاق والحجم.
إسرائيل وراء الهجمات
وقال الخبير الاستراتيجي العسكري التابع للحرس الثوري – والذي، مثل المسؤولين الآخرين، غير مخول بالتحدث علنا وفق الصحيفة – إن:
- الحكومة الإيرانية تعتقد بأن إسرائيل كانت وراء الهجوم بسبب تعقيد العملية ونطاقها. ولفت إلى أن الهجوم يتطلب بشكل شبه مؤكد مساعدة المتعاونين داخل إيران لمعرفة مكان وكيفية الهجوم.
- خطوط الأنابيب الرئيسية في إيران، التي تنقل الغاز عبر مسافات شاسعة تشمل الجبال والصحاري والحقول الريفية، تخضع لدوريات حراسة في نقاط أمامية على طول الأنابيب.
- الحراس يقومون بفحص مناطقهم كل بضع ساعات، لذلك ربما كان المهاجمون على علم بفترات الاستراحة، عندما تظل المنطقة خالية من الرجال.
ضعف البنية التحتية
كشفت الانفجارات عن مدى ضعف البنية التحتية الحيوية للبلاد أمام الهجمات والتخريب.
ويشار إلى أن إيران، ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، تمتلك نحو 40 ألف كيلومتر من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، معظمها تحت الأرض.
وخطوط الأنابيب مخصصة للاستهلاك المحلي في المقام الأول، وبسبب العقوبات، كانت صادرات إيران من الغاز ضئيلة ومقتصرة على تركيا والعراق.
ويشار إلى أن الغاز يمثل نحو 70 بالمئة من محفظة الطاقة في إيران، وفق البيانات التي أفصح عنها الرئيس التنفيذي لشركة جنوب زاغروس، والذي كشف عن أن عديد من المعوقات التي تواجه القطاع في بلاده، وتهدد بدورها بنقص يصل إلى 250 مليون متر مكعب في الشتاء، وعلى رأسها تأخر تنفيذ برامج تحسين الاستهلاك، علاوة على عدم زيادة الطاقة الإنتاجية.
ووفق المسؤول الإيراني، فإن بلاده تمتلك نسبة 3.4 بالمئة من احتياطات الغاز العالمية، وهي في خزانات جنوب زاغروس. كما تتبنى طهران خططاً من أجل مضاعفة الإنتاج في السنوات المقبلة.
السياسات الإسرائيلية
الباحث في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الجانب الإسرائيلي متهم بالإخفاق الأمني حالياً، وهو حالياً يسعى في مسار خاص إلى توريط الولايات المتحدة في دائرة الصراع القائم، ولذلك قامت إسرائيل بضرب خط الغاز في إيران، وهذا تصعيد خطير يمس الحياة المعيشية للمواطنين الإيرانيين والاقتصاد الخاص بالمواطن الإيراني والخدمات المقدمة له.
ويضيف: هذه الهجمات تعد استفزازاً للجانب الإيراني وتوريطاً للجانب الأميركي في المشهد، خاصة وأن واشنطن ترى أن هناك ضرورة لإخماد النيران التي اندلعت في سوريا والعراق وجعلت مسارات التجارة مهددة، كما تدرك أن المخرج من تلك الأزمات هي حلول سياسية وكذلك تهدئة.
ويلفت أنور في السياق نفسه إلى أن إسرائيل لها رؤية ضيقة تقودها إلى مزيد من العزلة الدولية، لجهة الإصرار على الاشتباك مع الجميع، وتحويل الصدام مع إيران إلى مواجهة وبالتالي الولايات المتحدة الموجودة في سوريا والعراق قد تتورط بصورة أكثر ومن ثم الضغط على المنظومة الاقتصادية للجميع.
ويوضح أن الولايات المتحدة ستواجه –ضمن هذا السيناريو- آثاراً اقتصادية سلبية بجانب إيران وإسرائيل في حالة وجود مواجهات محتملة، خاصة مع استمرار الجانب الإسرائيلي في اتباع سياسة حافة الهاوية وفي ضوء إخفاقاته (في) غزة وعدم تحقيق أهداف الحرب هناك في ضوء عدم جاهزية الجيش.
كما يشدد على أن جميع الأمور ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية وفقا لرؤيتها الضيقة والتي تعتمد على توسيع رقعة الصراع ومحاولة إرغام الولايات المتحدة على دخول المشهد عسكرياً بشكل مباشر بدلاً من إرسال المساعدات المالية والأسلحة.
الرد الإيراني
وبينما رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التعليق لصحيفة "نيويورك تايم" بشأن الهجمات، فإن عدم نفي إسرائيل لضلوعها فيها يجعل الأمور مستقرة لناحية أنها تقف وراء تلك الهمجمات، وفق ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" فيما يتعلق بتفجير خطي الغاز في طهران.
ويشير إلى أن السؤال الآن هو حول ما إذا كانت إيران ستقوم بالرد من عدمه، مشككاً في الوقت نفسه في إمكانية أن ترد طهران، لا سيما وأن إسرائيل كانت قد نفذت عديداً من الهجمات في إيران دون أي تعليق أو رد فعل من جانب إيران بشكل عملي. ويلفت إلى أن الحرب بين الجانبين هي "حرب مفتوحة".
ويوضح الرقب أن إيران "لها حسابات بشكل مختلف"، لذلك هي لن تدخل في حرب مع إسرائيل؛ لأنها في هذا السياق سوف تضطر لدخول حرب مع الولايات المتحدة الأميركية أو مع حلف الناتو، وبالتالي الخيار الأقرب هو التزام إيران بالصمت علي هذه الهجمات.
ويلفت في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل تمتلك خطة تتضمن عدة عمليات متسلسلة ضد طهران على مدى سنوات حتى يتم إرهاق الدولة، فيما يوصف بـ "حرب الاستنزاف" وهو ما يتم حاليا من قبل إسرائيل التي تدرك أن رد إيران سيكون محدوداً.
تعمل تلك الهجمات على شل قدرات إيران وتعطيل أوجه الحياة في الداخل، كما هو الحال بالنسبة لآثار الهجمات الأخيرة، ومن أجل مفاقمة الضغوطات الشعبية على النظام القائم، وتفجير الأوضاع داخل طهران.