معركة قضائية قد تبطئ خطط البيت الأبيض.. ما القصة؟
05:24 - 30 مايو 2025تُعد الرسوم الجمركية واحدة من أكثر أدوات السياسة الاقتصادية إثارةً للجدل في الولايات المتحدة، إذ لطالما شكلت ورقة ضغط قوية في يد الإدارة الأميركية خلال المفاوضات التجارية مع شركاء واشنطن حول العالم. ومنذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تصاعدت حدة هذا الجدل مع توسعه في استخدام هذه الأدوات.
لكن في مشهد دراماتيكي، دخل القضاء الأميركي على خط المواجهة، ليعيد رسم معالم هذه المعركة بين البيت الأبيض والمؤسسات القضائية، وذلك مع صدور حكم قضائي قلب الطاولة على خطط ترامب، وأشعل جدلاً محتدماً بين أروقة المحاكم وأروقة السياسة في واشنطن، لكنه قوبل بحكم استئنافي جديد أشعل بورصة التوقعات.. ما القصة؟
التطورات الرئيسية:
- وجه حكم مفاجئ أصدرته محكمة التجارة الدولية الأميركية، يقضي ببطلان تعريفات ترامب، ضربة لخطط الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية.. وأثار رد فعل عنيف من البيت الأبيض، الذي اتهم القضاة بـ"التجاوز القضائي".
- كما أصدر قاضي محكمة مقاطعة في واشنطن حكما منفصلا وجد فيه أن مخطط التعريفات الجمركية "غير قانوني"، لكنه منح الإدارة 14 يوما للاستئناف.
- السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، قالت الخميس: "إن ثلاثة قضاة في محكمة التجارة الدولية الأميركية أساءوا استخدام سلطتهم القضائية بشكل صارخ للاستيلاء على سلطة الرئيس ترامب، ومنعه من تنفيذ التفويض الذي منحه إياه الشعب الأميركي".
- بعد ذلك، منحت محكمة الاستئناف الفيدرالية الأميركية، الخميس، مهلة مؤقتة لخطط دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية العالمية، حيث أوقفت الحكم الذي وجد أن الرسوم التي فرضها في "يوم التحرير" غير قانونية.
- جاء قرار الإيقاف بعد ساعات من تعهد البيت الأبيض بالذهاب إلى المحكمة العليا لمحاولة إلغاء القرار القضائي الصادر مساء الأربعاء، والذي يقضي بعدم قدرة ترامب على استخدام سلطاته الاقتصادية الطارئة لفرض رسوم جمركية شاملة على الشركاء التجاريين.
ونقلت "فوكس نيوز" عن مدير المجلس الاقتصادي الوطني، كيفن هاسيت، تعليقه على قرار الاستئناف الذي قال فيه: "هذا نصرٌ كبيرٌ للرئيس.. حجج الرئيس ترامب لا غبار عليها.. والخلاصة أن فريق ترامب التجاري يتطلع إلى المستقبل".
لكن وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن القرار الأخير يُمثل انتصارًا قانونيًا محدودًا لإدارة ترامب، لكنه يترك مصير نظامها الجمركي العالمي على المدى الطويل في الميزان.
فيما أصر كبار مستشاري ترامب في التجارة والاقتصاد على أن هناك طرقًا أخرى للرئيس لمواصلة حربه التجارية العالمية - وأن المفاوضات بشأن الصفقات مع الدول الأخرى سوف تستمر.
ونقلت "بلومبيرغ" عن كبير مستشاري البيت الأبيض للتجارة، بيتر نافارو، قوله: "نعتقد بأن لدينا قضية قوية.. نعم، سنستأنف فورًا ونحاول وقف تنفيذ الحكم"، مشيراً إلى أن حكم المحكمة التجارية أظهر أن الإدارة يمكنها أيضًا استخدام أسس قانونية مختلفة لفرض تعريفة أساسية بنسبة 10 بالمئة ورسوم "متبادلة" أعلى على العديد من البلدان.. لذا، لم يتغير شيءٌ هنا بهذا المعنى.. ما زلنا، حتى هذه اللحظة، نتلقى اتصالاتٍ من دولٍ تُخبرنا برغبتها في إبرام صفقة.. هذه الصفقات ستُبرم".
القضية لم تحسم
يقول المدير التنفيذي لشركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن قرار محكمة أميركية بإبطال الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب استنادًا إلى قانون الطوارئ، قد أثار تفاؤلًا واسعًا في الأسواق العالمية، مشيراً إلى أن هذا القرار يُعد خطوة إيجابية نحو تهدئة التوترات التجارية، لكنه لا يمثل نهاية الأزمة المتعلقة بالرسوم الجمركية، والقضية "لم تُحسم بعد" (بالإشارة إلى قرار محكمة استئناف بالسماح لترامب بمواصلة فرض الرسوم الجمركية مؤقتاً).
ويضيف: القرار القضائي اقتصر على إلغاء الرسوم التي فُرضت بموجب قانون الطوارئ، لكن الرسوم المفروضة على المعادن والحديد قائمة في جميع الأحوال، نظرًا لارتباطها بمبررات الأمن القومي. لذا، فإن التأثير الإيجابي على الأسواق قد يكون مؤقتًا، ويعتمد على التطورات المستقبلية، بما في ذلك ردود الفعل المحتملة من ترامب.
إبطاء خطط البيت الأبيض
وأشار محللو وول ستريت إلى أن قرار المحكمة سيُبطئ خطط البيت الأبيض، لكنه لن يُعرقلها، وفق ما نقله تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، والذي أشار لما كتبه محللو سيتي في مذكرة يوم الخميس، ورد فيها أنه "من المرجح أن تنجح الإدارة في استئناف الحكم أو أن تستخدم صلاحيات أخرى؛ للحفاظ على معدلات التعريفات الجمركية مرتفعة وإيرادات كبيرة". وأضافوا: "في الوقت الحالي، سيُعقّد الحكم المفاوضات التجارية، وربما يُؤخرها".
وقال رئيس غولدمان ساكس جون والدرون في مؤتمر في نيويورك يوم الخميس إنه لا يزال يتوقع أن تزيد الحكومة الأميركية الرسوم الجمركية على معظم الدول، مستطرداً: "أعتقد بأننا سنتجه نحو تعريفة أساسية عالمية بنسبة 10 بالمئة مع تعريفات فردية مستهدفة".
تأثير مؤقت
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق ، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- القرار الصادر عن المحكمة التجارية بتعليق الرسوم الجمركية، أعطى دفعة (مؤقتة) إيجابية للأسواق والمستثمرين.
- التأثير مرحلي فقط، لأن القضية الآن تنتقل إلى المحكمة العليا (وقد أقرت محكمة الاستئناف بالسماح بمواصلة الرسوم مؤقتاً بالفعل يوم الخميس).
- لا أعلم مدى النفوذ الذي يتمتع به الرئيس ترامب هناك، لكن في النهاية، ستكون الكلمة الفصل للمحكمة العليا.
- ما نشهده الآن من تفاؤل في الأسواق، أعتقد بأنه مؤقت.. هناك إمكانية لإعادة فرض بعض الرسوم أو التوصل إلى اتفاقات قبل بداية شهر يوليو، وهو الموعد الذي كان الرئيس ترامب قد حدده بعد تعليق الرسوم لمدة 90 يومًا.
- هذا الموعد أسهم في تحفيز الأسواق.
ويضيف: نحن نعرف شخصية الرئيس ترامب، ومن غير المرجح أن يتقبل قرار المحكمة بسهولة. قد يسعى لاستخدام بعض الصلاحيات القانونية أو خطط الطوارئ الوطنية لفرض الرسوم مجددًا. والكل كان يدرك أن مستوى الرسوم مرتفع، وكانت هناك حاجة لإعادة تقييمها أو جدولتها.
كما يشير يرق أيضاً إلى أن الملياردير الأميركي إيلون ماسك، وهو من أبرز الداعمين لإدارة ترامب، خرج مؤخرًا لانتقاد هذه الرسوم، ما يشير إلى أن النقاش بدأ يأخذ طابعًا سياسيًا أكثر من كونه اقتصاديًا. وفي حال لم تُدار الأمور بشكل دقيق، قد نشهد تصعيدًا جديدًا، خاصة مع احتمالية حصول خلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وسيكون القضاء هو الحكم الفاصل في هذه القضايا.
ويلاحظ يرق أن بعض مستشاري ترامب والبيت الأبيض بدأوا يلمّحون إلى أن المحكمة قد لا تكون الجهة الأنسب لاتخاذ قرار بهذا الحجم. وفي كل الأحوال، أي خفض في الرسوم من شأنه أن يخفف من حدة التوتر في الحرب التجارية.
نقطة تحول
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن قرار محكمة التجارة الأميركية بإبطال التعريفات الجمركية "يمثل نقطة تحوّل محورية في مسار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الكبار".
ويوضح أن الأسواق المالية تراقب تطورات ذلك القرار والقرارات التالية، بعد أن تلقّت الحكم بحالة من التفاؤل القوي الذي عكس إدراك الأسواق أن خفض التوتر التجاري يعزز فرص النمو العالمي ويقلل من مخاطر التضخم المستورد.
ورغم السماح باسئتناف الرسوم، يؤكد سعيد بأن الحكم الأول يُعد بشكل عام ضربة لفكرة استخدام الرسوم كأداة انفرادية بيد السلطة التنفيذية، حيث سيُجبر أي إدارة مقبلة على العودة للكونغرس قبل فرض رسوم جديدة، مما يعيد التوازن بين السلطات ويعزز النهج التفاوضي بدلًا من التصعيد الأحادي.
ويضيف: "رغم أن بعض الرسوم ستظل قائمة مؤقتًا، خصوصًا تلك المفروضة بموجب قوانين الأمن القومي مثل المادة 232، أشار سعيد إلى أن ملف الحرب التجارية دخل مرحلة تهدئة واضحة، دون أن يُغلق تمامًا".