تمويل المناخ وأدوات التنفيذ.. آمال عريضة على COP28
18:18 - 30 نوفمبر 2023"الوقت حان لإيجاد مسار جديد وأوسع للتغلب على التحديات وإيجاد الأدوات.. هذا المسار يبدأ بقرار متصل بتسريع وتيرة الأفعال قبل العام 2030".. هذا ما أكده الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف "COP28"، في كلمته الافتتاحية بعد استلامه رئاسة أعمال الدورة الحالية من رئيس الدورة السابقة "COP27"، وزير الخارجية المصري، سامح شكري.
تعكس الكلمات الافتتاحية الرئيسية بمؤتمر الأطراف (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن حجم التعويل على تلك القمة من أجل التقدم بخطوات للأمام إزاء القضايا الرئيسية فيما يخص العمل المناخي.
المؤشرات جميعها تكشف عن اعتبار مؤتمر هذا العام "قمة استثنائية" مع ارتفاع سقف الطموحات والآمال من أجل الخروج بنتائج مؤثرة وعميقة، تتناول مراجعة أمينة ودقيقة لا تستثني شيئاً، للموقف الراهن ومدى التقدم المحرز على صعيد الأهداف المناخية الدولية والتعهدات السابقة المبنية على أساس اتفاق باريس، والتطلعات المستقبلية.
واحدة من بين أبرز تلك الملفات وأكثرها إلحاحاً هو ما يتعلق بملف التمويل، في وقتٍ تتطلب فيه جهود الاستجابة والتكيف مزيداً من الاستثمارات، لا سيما في البلدان النامية التي تدفع الفاتورة الأكبر للتغيرات المناخية، رغم محدودية مساهمتها في الانبعاثات. ومع الالتزامات التي تعهدت بها سابقاً الدول الصناعية الكبرى، والآمال المعقودة على صياغة آليات لتنفيذ تلك التعهدات وضمان الالتزام بها.
يأتي ذلك في وقت تتبنى فيه الأمم المتحدة هدف مضاعفة الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول العالم 2030. وفيما يحتاج العالم استثمارات سنوية بقيمة 4 تريليونات دولار، ولا تزال الفجوة واسعة بين حجم الاستثمارات الحالية والمستهدفة تتسع بصورة واضحة.
إطلاق العنان للتمويل
وفي كلمته الافتتاحية، عبر الدكتور سلطان الجابر عن هذا الملف المُلح، لدى دعوته إلى توحيد جميع الجهود في مواجهة تغير المناخ، وقد أكد أن المؤتمر الحالي يجب أن يصل إلى أعلى مستويات التكيف، ودعا إلى الوفاء بالعهود المتعلقة بالتمويل.
ومن بين الرسائل التي بعث بها في هذا الصدد: "ملتزمون بإطلاق العنان للتمويل لضمان عدم اضطرار الجنوب العالمي إلى الاختيار بين التنمية والعمل المناخي".
وتستند خطة عمل رئاسة COP8 إلى أربع ركائز وهي: "تسريع تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، وحماية البشر والطبيعة وتحسين الحياة وسُبل العيش" ودعم الركائز السابقة من خلال احتواء الجميع بشكل تام في منظومة عمل المؤتمر.
وفي السياق، حذّر وزير خارجية مصر، باعتباره رئيس الدورة السابقة لمؤتمر المناخ، من أن "التمويل المناخي من الدول المتقدمة ينخفض مقارنة بالاحتياجات المتزايدة وارتفاع تكاليف التمويل للدول النامية".
وشدد الوزير المصري خلال كلمته، على ضرورة إجراء تقييم صريح للواقع نظراً لوجود العديد من المؤشرات المقلقة، والتي يأتي على رأسها أن الحلول والخطوات التي يتم تقديمها للتعامل مع التغير المناخي لا يوجد دليل على نجاعة تنفيذها.
صندوق الخسائر والأضرار
وفي هذا السياق، يُعول على مؤتمر المناخ الحالي في أن يحرز تقدماً فيما يخص صندوق الخسائر والأضرار، طبقاً لما يؤكده لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" الأكاديمي الكندي المتخصص في علوم البيئة، روبرت ماكليمان، والذي يشير إلى أن:
- مناقشات الخسائر والأضرار كانت قضية بارزة في مؤتمر الأطراف الأخير في مدينة شرم الشيخ المصرية.
- كان هناك اتفاق عام على إنشاء برنامج رسمي للخسائر والأضرار (صندوق).
- يمثل مؤتمر الأطراف في دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة مهمة لإنشاء آليات محددة لتحديد ما شكل الخسائر/الأضرار المتعلقة بالمناخ التي قد تكون مؤهلة للتعويض، وكيف سيتم تعويضها، ومن سيكون قادرًا على التقدم بطلب، وكيف سيتم جمع الأموال من أجل صندوق الخسائر والأضرار.
وفي هذا السياق تبنى مؤتمر الأطراف (كوب28) في يومه الأول، قرار تفعيل إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" المناخية للتعويض على الدول الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ، في خطوة تاريخية في اتجاه تخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب، وأعلنت الإمارات عن المساهمة بمبلغ 100 مليون دولار في الصندوق، كما تعهدت بعض الدول الأخرى بالمساهمة في الصندوق بقيمة إجمالية تزيد قليلا على 300 مليون دولار.
وبالإشارة إلى الملف المرتبط بمضاعفة قدرات إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول العالم 2030، وأهمية ملف "التمويل" في هذا السياق، يوضح أن هناك عديد من الإجراءات التي يمكننا ويجب علينا القيام بها في وقت واحد.، من بينها زيادة قدرة توليد الكهرباء (باستخدام التكنولوجيات التي لا تتطلب الوقود الأحفوري ــ الطاقة المائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والكتلة الحيوية، والطاقة النووية).
يتطلب ذلك زيادات مطردة في حجم الاستثمارات العالمية، لا سيما فيما يتعلق بالبلدان النامية، التي تقف أمام رغبتها في معضلة الاختيار بين التنمية والعمل المناخي.
- إجمالي الاستثمارات العالمية في سياق التحول للطاقة منخفضة الكربون في 2022 ارتفع بنسبة 31 بالمئة، وصولاً إلى 1.1 تريليون دولار، وفق البيانات الواردة باتجاهات الاستثمار في التحول الطاقوي "2023 الصادر عن مؤسسة "بلومبرغ".
- الدول النامية تحتاج إلى استثمارات في الطاقة المتجددة بحوالى 1,7 تريليون دولار سنويا، لكنها ما زالت بعيدة عن ذلك الرقم، إذ جذبت استثمارات أجنبية مباشرة في الطاقة النظيفة بقيمة 544 مليار دولار فقط في العام 2022، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
- يجب استثمار حوالي 4 تريليونات دولار سنويًا في الطاقة المتجددة حتى عام 2030 - لاسيما في التكنولوجيا والبنية التحتية - حتى نصل بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، وفق الأمم المتحدة.
ويتحدث ماكليمان، في هذا السياق عن أبرز أوجه تلك الاستثمارات الأخرى بما في ذلك تحسين قدرة نقل وتوزيع الكهرباء، علاوة على الارتقاء السريع بقدرات إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو مثالي لتشغيل المركبات الكبيرة، والمعدات الثقيلة وقاطرات القطارات والسفن، ويمكن استبداله الوقود الأحفوري المستخدم في الصناعات الثقيلة وصناعة الصلب به.
ويرى الخبير البيئي في هذا السياق أن المأمول من مؤتمر المناخ هو أن يعلن زعماء العالم عن المزيد من الإجراءات الملموسة التي يخططون لاتخاذها للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وفقًا لاتفاقية باريس لعام 2015 (..).
100 مليار دولار
ووضع اتفاق باريس كحد أدنى قيمة 100 مليار دولار أمريكي كمساعدات مناخية الدول النامية سنوياً، من خلال القنوات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف، ونص على أنه سيتم إعادة النظر في هذا السعر في 2025 على أقصى تقدير. غير أن الدول الكبرى لم تلتزم بتلك التعهدات.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه :
- من الضروري الالتزام بمبلغ 100 مليار دولار لأن لكل دولار أهميته في مكافحة تغير المناخ.
- يعد تحقيق هذا الالتزام أيضًا تأكيدًا بالغ الأهمية على أن البلدان يمكن أن تثق في بعضها البعض من أجل توحيد جهودها الرامية لتحقيق الأهداف المشتركة.
- كما يدل على أن المجتمع الدولي ملتزم بالعدالة وبعدم ترك أي شخص خلف الركب - ولكن فقط إذا تم تحقيقه الآن بالكامل وبما يتماشى مع مبادئ العدالة والإنصاف.
التزام الدول الكبرى
"من الضرورة بمكان التأكيد على أهمية التزام الدول الكبرى بالمبالغ المالية المحددة لدعم الدول النامية على مواجهة التغير المناخي، وبشكل خاص الدول الأفريقية التي لها حق أصيل في المطالبة بالدعم المالي لمواجهة التغيرات المناخية، خاصة أنها ليست لها دور أساسي في الانبعاثات"، بحسب أستاذ التكنولوجيا الحيوية البيئية، الدكتور تحسين الشعلة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
ويشدد على أنه من المأمول أن يحقق مؤتمر المناخ COP28 تقدماً في هذا السياق، مردفاً: "استناداً لنتائج القمة السابقة التي انعقدت في مصر، كان المردود الإيجابي هو الاتفاق على صندوق الخسائر والأضرار، علاوة على الاتفاقات المرتبطة بصندوق الكوارث والتأكيد على دور الدول التي لها تأثير سلبي على المناخ في دفع مبلغ لا يقل عن 100 مليار دولار لدعم جهود مكافحة التغيرات المناخية في البلدان النامية.
ويشار إلى المساهمة الإماراتية التي أعلن عنها وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، الخميس، بشأن أن بلاده سوف تسهم بمبلغ 100 مليون دولار في ترتيبات صندوق الكوارث المناخية.
لكنه يعتقد بأنه وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها العالم، ومع ارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم فاتورة آثار التغير المناخي، فإنه يتعين العمل على زيادة تلك التعهدات لأكثر من الـ 100 مليار دولار، وأن تتم التوصل لإلزام الدول العظمى بتلك التعهدات من جانب الأمم المتحدة، لأهمية الدعم المالي للدول المتضررة.
حزمة من القرارات
ويشدد على أنه من المأمول أن يسعى COP28 إلى الوصول لحزمة من القرارات لدعم مواجهة التغيرات المناخية والاتجاه لاستخدام الطاقة النظيفة حتى يقل المردود السلبي للتغيرات المناخية والتلوث الناتج عن الوقود الأحفوري، ودعم التوجه إلى الاقتصاد الأخضر، وهو ما يتطلب استثمارات واسعة.
وتحتاج أفريقيا (المسؤولة عن 3.8 بالمئة من الانبعاثات الغازات الدفيئة فقط) وحدها إلى ما نحو 2.8 تريليون دولار من تمويل المناخ، وذلك العقد الممتد من 2020 إلى 2030، فيما لا تتلقى حالياً سوى 3 بالمئة من هذا التمويل، طبقاً للتقديرات الصادرة عن بنك التنمية الأفريقي، وبما ينبه إلى حجم الفجوة التي تواجهها القارة السمراء. ولا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص في تلك المعدلات الـ 14 بالمئة.
وتحظى قضية تمويل العمل المناخي في دول الجنوب العالمي باهتمام واسع ضمن أبرز القضايا الملحة التي تفرض نفسها على المشهد.
وكان الدكتور سلطان الجابر، قد شدد على الحاجة الملحة إلى "توفير مزيد من التمويل بشروط ميسرة وبتكلفة مناسبة، من أجل تحقيق النمو والازدهار لكافة المجتمعات، خاصة دول الجنوب العالمي"، وذلك في أبريل الماضي، خلال زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، بالتزامن مع انعقاد اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومشاركته في حلقة نقاشية دولية رفيعة المستوى.