هل تُعد الهجرة نعمة أم نقمة على الاقتصاد الأميركي؟
17:14 - 05 سبتمبر 2024تُعد الهجرة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الولايات المتحدة، فقد شهدت البلاد تدفقات تاريخية من المهاجرين القادمين من مختلف أنحاء العالم بحثاً عن الأمان الشخصي والفرص الاقتصادية، ما أثر على التركيبة السكانية وسوق العمل الأميركي.
تتباين الآراء بين من يرى في هؤلاء المهاجرين فرصة لتوسيع قاعدة العمالة الشابة والنشطة التي قد تسهم في تعزيز الاقتصاد، وبين من يعتبرهم تهديداً للوظائف وسبباً في تراجع الأجور وتأثيراً سلبياً على الأداء الاقتصادي على المدى القصير.
وتعكس تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب التي وصف فيها المهاجرين غير الشرعيين بـ"التهديد" وأكد عزمه على إعادتهم إلى بلادهم في حال انتخب رئيسا للبلاد، أحد أوجه هذا الجدل المحتدم. وبينما يشكل المهاجرون الجدد جزءاً متزايداً من القوة العاملة، يُثار السؤال فيمل إذا كان تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة يمثل تهديداً لسوق العمل، أم فرصة لتعزيزه وتنويعه؟
أكبر موجة هجرة منذ أجيال
وذكر تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن تدفقات المهاجرين التاريخية تسببت في تغيير حجم وتوقعات سوق العمل في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن البلاد تشهد أكبر موجة هجرة منذ أجيال، مدفوعة بملايين الأشخاص الذين يزيدون عدد السكان ويغيرون تكوين القوى العاملة بطرق من المحتمل أن تتردد في الاقتصاد لعقود.
منذ نهاية عام 2020، هاجر أكثر من تسعة ملايين شخص إلى الولايات المتحدة، قادمين بشكل قانوني وغير قانوني، وفقاً لتقديرات وتوقعات مكتب الميزانية التابع للكونغرس. هذا العدد يقارب عدد الذين جاءوا في العقد السابق، ورفعت الهجرة نمو سكان الولايات المتحدة إلى نحو 1.2 بالمئة سنوياً، وهو أعلى مستوى منذ أوائل التسعينيات. بدونها، كان من المتوقع أن ينمو عدد سكان الولايات المتحدة بمعدل 0.2 بالمئة سنوياً بسبب انخفاض معدلات المواليد، وأن يبدأ في الانكماش حوالي عام 2040، وفقاً لتوقعات مكتب الميزانية التابع للكونغرس.
وأوضح التقرير أن الزيادة في الهجرة أثارت الجدل، لأن معظم المهاجرين لم يدخلوا عبر القنوات القانونية العادية، فأقل من 30 بالمئة، أو 2.6 مليون، هم ما يعتبرهم مكتب الميزانية التابع للكونغرس "مقيمين قانونيين دائمين"، بما في ذلك حاملي البطاقات الخضراء وغيرهم من المهاجرين الذين جاءوا عبر القنوات القانونية، مثل تأشيرات الأسرة أو العمل. بالإضافة إلى ذلك، يقدر مكتب الميزانية أن عدد السكان الأجانب غير المهاجرين، والذي يشمل العمال المؤقتين والطلاب، قد نما بحوالي 230،000 منذ نهاية عام 2020.
ويشير مكتب الميزانية إلى معظم الـ 6.5 مليون الآخرين باسم "رعايا أجانب آخرين". يعبر الجزء الأكبر من هذه المجموعة الحدود الجنوبية دون إذن مسبق، ويسلمون أنفسهم لمسؤولي الحدود الأميركيين ويطلبون اللجوء.
وتشكل قضية المهاجرين محوراً رئيسياً ضمن حملة الرئيس السابق دونالد ترامب الانتخابية، حيث وصف المهاجرين غير الشرعيين بأنهم "حيوانات" و"ليسوا بشرا" في كلمة ألقاها في أبريل الماضي في ميشيغان، ليعود إلى اللغة المهينة التي كثيراً ما استخدمها في حملاته، كما وعد في مؤتمر صحفي في نيوجيرسي منتصف الشهر الماضي بإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم في حال انتخب رئيساً للبلاد.
وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية فإن المهاجرون الجدد أصغر سناً وأكثر احتمالية أن يكونوا في سن العمل مقارنة بالأميركيين المولودين في الولايات المتحدة، ومن بين الأجانب الذين وصلوا منذ عام 2020، 78 بالمئة تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاماً، مقارنة بـ 60 بالمئة من أولئك المولودين في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات التعداد الشهرية، ويساعد ذلك في تفسير سبب كونهم أيضاً أكثر احتمالاً للوجود في القوة العاملة.
ومن بين المهاجرين الجدد الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً أو أكثر، 68 بالمئة - معدل المشاركة - يعملون أو يبحثون عن عمل، مقارنة بـ 62 بالمئة بالنسبة للأميركيين المولودين في الولايات المتحدة، بالأرقام، من المحتمل أن يبلغ هذا أكثر من خمسة ملايين شخص، أي ما يعادل حوالي 3 بالمئة من القوى العاملة. من المحتمل أن يرتفع معدل مشاركة المهاجرين الجدد في القوة العاملة في السنوات المقبلة.
وغالباً ما يستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر للحصول على تصريح عمل بعد دخول الولايات المتحدة. يبلغ معدل مشاركة القوى العاملة للأجانب الذين وصلوا من 2004 إلى 2019 73 بالمئة وفقاً لبيانات التعداد، وفي حين أن 5 بالمئة من الأميركيين في سن العمل غير قادرين على العمل - غالباً بسبب الأمراض المزمنة أو الإعاقة أو الإدمان على المخدرات أو الحاجة إلى رعاية أفراد الأسرة - فإن أقل من 1 بالمئة من المهاجرين الذين وصلوا بعد عام 2020 يبلغون عن عدم قدرتهم على العمل.
وتُظهر البيانات أن أكبر 12 دولة مصدر للوافدين الذين تم تحديد مواعيد جلسات الاستماع في محكمة الهجرة منذ أواخر عام 2020 تقع في أميركا اللاتينية أو منطقة البحر الكاريبي، وفي مقدمتهم فنزويلا بنسبة 14 بالمئة والمكسيك بنسبة 13 بالمئة وهندوراس بنسبة 8.5 بالمئة.
اتجاهات الهجرة
في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "الهجرة إلى الولايات المتحدة قد تكون نعمة أو نقمة على الاقتصاد اعتماداً على كيفية إدارته، يمكن أن تسهم في تنمية الاقتصاد وحل المشكلات الديموغرافية إذا أُديرت بشكل حكيم، بينما قد تؤدي إلى ضغوط اجتماعية واقتصادية إذا لم تُعالج التحديات المرتبطة بها".
وأضاف: "تستقبل الولايات المتحدة أكبر عدد من المهاجرين في العالم، حيث يعيش فيها أكثر من 46 مليون مهاجر، بما في ذلك 11 مليون مهاجر غير شرعي. هؤلاء المهاجرون يشكلون نحو 14 بالمئة من سكان البلاد، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة. تأتي الغالبية من آسيا وأميركا اللاتينية، اللتين تمثلان 81 بالمئة من المهاجرين، ويشكل المهاجرون أكثر من 19 بالمئة من القوى العاملة في الولايات المتحدة اعتباراً من يونيو 2024 - أكثر من 32 مليوناً من إجمالي 169 مليوناً - ويشاركون في القوى العاملة بمعدل أعلى من العمال المولودين في البلاد، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل (BLS).".
أثر الهجرة على سوق العمل
وأوضح الهجرة ظاهرة معقدة تحمل مزايا وتحديات للاقتصاد. من جهة، يسهم المهاجرون في تلبية احتياجات سوق العمل في بعض الوظائف التي لا يفضلها الأميركيون، ومن جهة أخرى ويضيفون تنوعاً ثقافياً واقتصادياً. كما يلعبون دوراً في دفع الاقتصاد عبر استهلاكهم وإنشاء أعمال جديدة.
ويمثل المهاجرون غير الشرعيين نحو 6 بالمئة من قوة العمل في الولايات المتحدة، بما في ذلك بعض العمال غير المصرح لهم في قطاعات حيوية كالفلاحة والبناء. رغم ذلك، فإن تدفق المهاجرين يثير مخاوف بشأن تأثيره على الأجور والمنافسة على الوظائف، خاصة في ظل التغيرات في سياسات الهجرة. في السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات لخفض تكاليف الأجور من خلال زيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية في المجالات التقنية والبحثية، بحسب الدكتور الشبشيري.
أسباب إقبال المهاجرين على أميركا
وأشار الخبير الاقتصادي الشبشيري إلى أن الولايات المتحدة تجذب المهاجرين بسبب الفرص الاقتصادية والتعليمية.
- فرص العمل: في 2021، جاء 41.8 بالمئة من المهاجرين الجدد للعمل، وكان المصدر الأكبر للمهاجرين هو المكسيك.
- التعليم: حصل 32.2 بالمئة من المهاجرين الجدد على تأشيرات دراسية، ومعظمهم من الصين والهند.
- لم الشمل العائلي: يمثل لم الشمل العائلي دافعاً مهماً للهجرة إلى الولايات المتحدة.
ويلعب المهاجرون دوراً بارزاً في ريادة الأعمال. على سبيل المثال، نحو 20 بالمئة من اليونانيين في الولايات المتحدة يمتلكون أعمالهم الخاصة، وإيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا، يمثل مثالاً بارزاً على كيفية مساهمة المهاجرين في الاقتصاد الأميريي من خلال الابتكار وإنشاء شركات عملاقة مثل Tesla وSpaceX..
وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية، أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب مجدداً ن استراتيجيته الصارمة تجاه الهجرة، مدعياً أن تقليص الهجرة سيسهم في تعزيز فرص العمل للأميركيين وتحسين الأوضاع الاقتصادية. وفي هذا الصدد تلخص دراسة من مؤسسة INET أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الغرب الأوسط الأميركي منذ السبعينيات أدى إلى دعم كبير لدونالد ترامب في انتخابات 2016. تدهور التصنيع والاقتصاد المحلي دفع سكان المناطق المتضررة إلى دعم ترامب، الذي حقق أداءً جيداً في المدن الصغيرة وريف الغرب الأوسط، بفضل الاستياء من الوضع الاقتصادي المتدهور، طبقاً لما قاله الدكتور الشبشيري.
تأثير الهجرة على الاقتصاد
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إن هناك حاجة ماسة للتفريق بين الهجرة القانونية والهجرة غير القانونية عند مناقشة تأثيرات الهجرة على الاقتصاد الأميركي، فالهجرة غير القانونية لها تأثير سلبي على الاقتصاد الأميركي، وهي محور الجدل الذي نتابعه في وسائل الإعلام.، بينما الهجرة القانونية هي التي قامت عليها الولايات المتحدة في الأساس وتعد أحد أهدافها السياسية."
وأشار الرفاعي إلى أن "الهجرة القانونية مفيدة بشكل كبير للاقتصاد الأميركي، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والهندسة والطب، حيث نجد أن كثيراً من المهندسين والأطباء المهرة في الولايات المتحدة جاءوا نتيجة لهذه الهجرة".
وولفت الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات الاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حل لمشكلة الهجرة غير القانونية، لأنها تشكل عبئاً على الاقتصاد الأميركي، حيث إن غالبية المهاجرين غير الشرعيين أو اللاجئين يفتقرون إلى الخبرة العملية، والدراسات الجامعية، والتدريب، والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل، فضلاً أن أنهم يزيدون الأعباء على البرامج الاجتماعية والمالية.