الذهب يُحلق بلا منافس.. أين الفضة من المعادلة؟
11:44 - 07 مايو 2025
لطالما كان الذهب هو العنوان الأبرز عندما يُذكر مفهوم الثروة الآمنة، فهو المعدن الذي ارتبط اسمه بالأزمات، وصمد عبر التاريخ كأداة للتحوط ومخزن للقيمة حين تهتز العملات والأسواق.
واليوم، لا يختلف المشهد كثيراً؛ فالذهب يواصل تحليقه، مدفوعاً بشراء البنوك المركزية والمخاوف الجيوسياسية وموجات الطلب الاستثمارية، ليُرسخ موقعه كأهم أصل مملوس في زمن عدم اليقين.
في المقابل، تقف الفضة كشقيق أصغر، لا يملك ذات الثقل السياسي أو الاستراتيجي لكنها تتمتع بجاذبية خاصة؛ فهي ليست فقط أداة استثمارية لكنها أيضاً سلعة صناعية تُستعمل في قطاعات مثل الطاقة الشمسية والإلكترونيات.
هذه الطبيعة المزدوجة تجعل الفضة أكثر حساسية للتقلبات الصناعية والاقتصادية، وأقل قدرة على ملاحقة الارتفاعات الصاروخية للذهب في أوقات ذروة الطلب على الأمان.
لكن رغم هذا الفارق الجوهري، تبقى الفضة محط أنظار شريحة واسعة من المستثمرين، خاصة أصحاب رؤوس الأموال الأصغر أو الباحثين عن فرص بديلة بأسعار أقل.
وبينما يُحلق الذهب في سماء جديدة من الأسعار القياسية، تتسلل التساؤلات: هل تبقى الفضة في ظل الذهب؟ أم أن التحولات المقبلة في الأسواق قد تفتح أمامها أبواباً جديدة لتعزيز قيمتها؟
تقديرات غولدمان ساكس
وبحسب بنك غولدمان ساكس، في مذكرة يوم الاثنين، فإن: الذهب سيواصل التفوق على الفضة، مشيراً إلى الطلب القوي من البنوك المركزية على السبائك كعامل رفع نسبة سعر الذهب إلى الفضة بشكل هيكلي. ونتيجة لذلك، لا يتوقع البنك أن تلحق الفضة بموجة الارتفاع الحالية في أسعار الذهب.
وقال البنك: "مع تباطؤ إنتاج الطاقة الشمسية في الصين حالياً وسط فائض المعروض، وارتفاع مخاطر الركود، واستمرار قوة مشتريات البنوك المركزية من الذهب في العام 2025، نتوقع أن يستمر الذهب في التفوق على الفضة".
ومع ذلك، أضاف أنه نظراً للارتباط القوي بين التدفقات، فإن الطلب المتجدد على الذهب في عام 2025 من المرجح أن يعزز أسعار الفضة أيضاً، وفق "رويترز"
ارتفع سعر الذهب الفوري بأكثر من 26 بالمئة حتى الآن هذا العام، وبلغ أعلى مستوى قياسي له عند 3500.05 دولار للأونصة في أبريل، مدعوماً أيضاً بعدم اليقين الجيوسياسي وزيادة التدفقات إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب. وتُتداول أسعار الفضة حاليًا عند 32.4 دولار للأونصة، بزيادة قدرها 12 بالمئة حتى الآن في عام 2025.
كرر غولدمان ساكس رؤيته الصعودية الهيكلية للذهب بسعر أساسي يبلغ 3700 دولار للاونصة بحلول نهاية العام و4000 دولار بحلول منتصف عام 2026.
وأضاف أنه في حالة حدوث ركود، فإن تسارع تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة قد يدفع سعر الذهب إلى 3880 دولارا بحلول نهاية العام.
وعلاوة على ذلك، قال إنه في سيناريوهات المخاطر القصوى - مثل المخاوف المتزايدة بشأن استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي أو التحولات في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي - قد يصل الذهب إلى 4500 دولار بحلول نهاية عام 2025.
مكاسب كبيرة
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
حتى الآن هذا العام، تفوق أداء الذهب بشكل ملحوظ على الفضة منذ بداية السنة؛ مدفوعاً بالطلب القوي من البنوك المركزية والشكوك الجيوسياسية.
أسعار الذهب ارتفعت بنسبة تقارب 28 بالمئة، لتصل إلى مستويات قياسية عند حوالي 3500 دولار للأونصة (قبل التراجع عنها لاحقاً)، بينما ارتفعت أسعار الفضة بنسبة تقارب 15 بالمئة، حيث تُتداول حاليًا بالقرب من 33 دولاراً للأونصة.
ويضيف: تبلغ نسبة الذهب إلى الفضة 102:1 تقريباً، وهي نسبة مرتفعة، أعلى بكثير من المتوسط التاريخي الذي يتراوح بين 45 و80، مما يشير إلى انخفاض قيمة الفضة نسبياً. وبناءً على ذلك، إذا عادت هذه النسبة إلى متوسطها، فقد تشهد الفضة مكاسب كبيرة.
توقعات
ويشير استطلاع لـ "رويترز" قبيل أيام، إلى أنه:
- من المتوقع أن يصل متوسط سعر الذهب إلى 3065 دولاراً للأونصة في عام 2025، و3000 دولار في العام 2026.
- من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر الفضة 33.10 دولاراً للأونصة في عام 2025، و34.58 دولارًا للأونصة في عام 2026.
ونقلت الوكالة عن المحلل المستقل روس نورمان، قوله: "يبدو أن الذهب مُستعدٌّ لما يُمكن وصفه بعامٍ استثنائي آخر"، مردفاً: "كما في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يشهد الذهب عمليات شراءٍ بفضل قوة الأسعار، مما قد يُؤدي إلى تضخمٍ تدريجيٍّ في قيمته".
وقال رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، أولي هانسن: "سيظل مصير الذهب رهناً بتقلبات الأسواق الأخرى"، مشدداً على أن "السبائك ستظل مدعومة طالما استمر التركيز على التخلي عن الدولار وتأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو العالمي والاستقرار المالي".
في الوقت نفسه، حذر المحللون من ازدحام التجارة، في حين تعمل الأسعار المرتفعة على الحد من الطلب في قطاع المجوهرات. وقال المحلل سوكي كوبر من ستاندرد تشارترد: "تستمر مخاطر الأسعار في ظل تذبذب السوق المادية وتباطؤ تدفقات البنوك المركزية - على الرغم من أنها إيجابية - في حين أن تراجع مخاطر التعريفات الجمركية وتلاشي مخاطر الركود قد يعرقل جاذبية الذهب كملاذ آمن".
تفاوت
بدورها، تشير خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:
- الذهب لا يزال يُعد الملاذ الآمن التقليدي للمستثمرين.. بينما الفضة تنافس كملاذ بالنسبة للمستثمرين أصحاب الفوائض المالية القليلة ممن لا يستطيعون شراء الذهب.
- كما أن الفضة تُستخدم كمادة خام أساسية في صناعة الألواح التي تُستخدم في توليد الطاقة الشمسية، وهو ما جعل دولاً عديدة تهتم بتأمين احتياجاتها منها، لا سيما في ظل الأزمات التجارية القائمة، وفرض الولايات المتحدة جمارك مرتفعة على المنتجات الصينية المرتبطة بهذا القطاع.
- بعض المتعاملين في الأسواق باتوا يرون أن أسعار الذهب وصلت إلى مستويات مبالغ فيها، مما قد يجعل الاستثمار فيه حالياً غير آمن بالنسبة لبعض الأفراد، ولذلك قد يتجه البعض منهم إلى الفضة كخيار بديل.
- إلا أن هذا الخيار لا يخلو من التحديات، إذ أن تسعير الفضة في كثير من الأحيان يكون غير عادل، وقد تكون درجة نقائها منخفضة، مما يستدعي شراؤها من مصادر موثوقة.
وتشير إلى أن بعض المؤسسات والدول تنظر إلى الفضة كخيار استثماري آمن في المرحلة الراهنة، وقد يتسبب هذا التوجه لاحقاً في زعزعة مكانة الذهب، موضحة أنه "ربما تصل الفضة إلى موقع متقدم في المستقبل، لكن يبقى الذهب هو الملاذ الأول للدول في أوقات الأزمات والتوترات الجيوسياسية، ومع انخفاض قيمة العديد من العملات".